يسقط كل أردوغان
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 22 فبراير 2020 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
بعد ساعات من وصف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مؤيدى جماعات البيئة التى نظمت احتجاجات منتزه «جيزى» عام 2013، بأنهم «أعداء الدولة»، بدأت السلطات القضائية التركية الأسبوع الماضى تحقيقا مع القضاة الذين أصدروا حكما ببراءة آخر المتهمين فى تلك الاحتجاجات.
ووفقا لوكالة أنباء الأناضول فإن مجلس القضاة التركى بدأ تحقيقا مع هيئة المحكمة التى برّأت المتهمين التسعة فى قضية «احتجاجات جيزى» لتحديد ما إذا كان هناك خطأ فى الحكم.
قبل أن يتدخل مجلس القضاء التركى ويبدأ التحقيق مع القضاة الذين احتكموا إلى ضمائرهم وأصدروا حكما ببراءة معارضى أردوغان، كان الرئيس التركى قد خطب وسط جمع من نواب حزبه «العدالة والتنمية» وأكد أن «أى شخص يصف أحداث جيزى بأنها حركة بيئة بريئة، إما يكون غبيا أو عدوا لدودا لهذه الدولة ولشعبها».
أردوغان شبه احتجاجات جيزى التى شهدتها إسطنبول عام 2013 بـ«الانقلاب العسكرى» الفاشل الذى شهدته البلاد فى عام 2016، «وقائع جيزى كانت هجوما جبانا استهدف الدولة والشعب، مثل الانقلابات العسكرية والهجمات التى تنفذها الجماعات الإرهابية».
ووصف أكبر مظاهرات شعبية مناهضة له بأنها جزء من مؤامرة دولية للإطاحة بنظامه، وأنها «ليست سوى محاولات تخريب ونهب للممتلكات العامة والخاصة تسببت بأضرار بمليارات الدولارات»، مضيفا: «سوف نتابع هذه المسألة حتى النهاية.. لضمان نتيجة تصب فى مصلحة العدالة».
وعلى خلفية هذا التصريح وبعد أن أصدر القضاء حكمه ببراءة الناشط ورجل الأعمال الشهير عثمان كافالا و8 من رفاقه، أصدر الادعاء العام التركى مذكرة توقيف جديد بحقه تتعلق بمحاولة الانقلاب الفاشلة التى شهدتها تركيا فى عام 2016، وبالفعل أعيد القبض على كافالا بعد ساعات من إخلاء سبيله بتهمة محاولته الإطاحة بالنظام الدستورى.
أردوغان كما غيره من الحكام المستبدين، تمكن منه اللد فى الخصومة فأصبح لا يقبل أن تكون هناك سلطة قضائية مستقلة تحكم بما يتفق مع صحيح القانون والدستور وتصدر حكما ببراءة ناشط تمكن مع غيره من نشطاء جماعات البيئة فى أن يحشد أكبر مظاهرة فى العهد الأردوغانى، فوجه سير العدالة وأمر قضاءه الخصوصى فأعيد اعتقال خصمه.
لعب أردوغان على كل الحبال السياسية حتى تمكن من الاستمرار فى الحكم لنحو 17 عاما متتالية، رئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية، تحول رئيس حزب العدالة والتنمية الذى وصل إلى أعلى هرم السلطة عبر سلسلة من الانتصارات الانتخابية والمكائد القانونية إلى ديكتاتور مستبد، قمع خصومه ووضعهم فى السجون ثم أقصى شركاءه ليحكم بسلطة مطلقة لا يشارك فيها أحد.
عدّل أردوغان الدستور فى 2017 ليحول النظام الحاكم فى تركيا من برلمانى إلى رئاسى، ليضمن مزيدا من الصلاحيات التى تمكنه من إحكام قبضته على مفاصل السلطة فأصبح رئيسا للدولة والحكومة والشرطة الوطنية والجيش بصفته القائد الأعلى والحزب الحاكم فى البرلمان.
استغل أردوغان «الانقلاب العسكرى الفاشل» فى 2016، فى إجراء عمليات مطاردة واسعة لمعارضيه فى مؤسسات الدولة المختلفة (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام)، وفتح أبواب السجون لأصحاب الرؤى المخالفة، وأغلق الصحف وسجن الصحفيين وفرض الرقابة على منصات التواصل الاجتماعى.
انقلب الرئيس التركى على كل الشعارات التى غازل بها المجتمع التركى مطلع الألفية، وتحول فى سنوات حكمه الأخيرة إلى نسخة سيئة من حكام دول الشرق الأوسط، رفع شعار «الحفاظ على الدولة التركية من المؤامرة الغربية»، وقمع منافسيه وخصومه باعتبارهم «أعداء للدولة» يهدفون إلى هدمها.
ولما تصاعدت الضغوط الداخلية عليه بسبب إخفاقاته الاقتصادية والسياسية والتى كان آخرها هزيمة مرشح حزبه مرتين فى انتخابات مدينة إسطنبول العام الماضى، عمل على إلهاء شعبه ودخل فى مغامرات خارج الحدود حتى لا يعلو صوت فوق صوت المعركة.
استدعى أردوغان من التاريخ العثمانى أرذله، وبدلا من المحاولات التى بذلها هو وعدد من أسلافه لدمج تركيا فى الاتحاد الأوروبى، لم يجد الخليفة العثمانى الجديد نفسه إلا وسط رفاقه من مستبدى الشرق الأوسط، يستخدم مفرداتهم وطرائقهم وألاعيبهم التى تضمن لهم الاستمرار فى السلطة والاستبداد بها.
كل الطرق ستؤدى إلى سقوط الخليفة العثمانى الذى وحّد خصومه وشركاءه وجعلهم جميعا فى خانة الأعداء.. ضمن أردوغان لنفسه دخول التاريخ من بوابة المستبدين، فاسمه سيخلد إلى جوار أصدقائه وخصومه من حكام الشرق الأوسط باعتباره حاكما طغى واستكبر فسينزل عليه حكم التاريخ وسيسقط غير مأسوف عليه وتطوى صفحته كما طويت صفحات غيره.