الصعيد بعد الثورة.. مكاسب ومخاوف من المستقبل
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 مارس 2011 - 9:53 ص
بتوقيت القاهرة
فى قاعة الاجتماعات الرئيسية بمركز أحمد بهاء الدين فى قرية الدوير بمركز صدفا (أسيوط)، اجتمع بعض من شباب الجمعية وأصدقائها قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية ببضعة أيام لمناقشتها ومحاولة تبين عواقبها. الحاضرون كانوا نحو خمسين شابا وشابة من أبناء المركز والمحافظة، بعضهم قطع ما يزيد على الثمانين كيلو لحضور الاجتماع، من مراكز أبو تيج ومنفلوط وديروط وأبنوب. الشعور بما أتت به الثورة من حرية فى الكلام والتفكير والنقاش واضح ويبعث على تفاؤل حقيقى. شباب المركز كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم تابعوا كل تفاصيل أيام الثورة الثمانية عشرة وشاركوا فيها كل بطريقته ولو بالوجدان والحماس. ولكن موضوع اليوم كان الاستفتاء على التعديل الدستورى وكان حديثنا قريبا مما يتردد فى كل منزل وكل اجتماع فى مصر. هناك اتفاق تام على أنه بغض النظر عن النتيجة فإن المكاسب هائلة، وسوف يكفينا فخرا أننا لا نعلم هذه النتيجة مسبقا. وهناك رغبة عارمة فى أن يدلى كل شخص بصوته ولا يهمل حقا اكتسبه الشعب بتضحيات كبيرة.
الأهم من ذلك أن هناك إجماعا تاما على احترام نتيجة الاستفتاء أيا كانت. فى طريق العودة من مركز صدفا إلى مدينة أسيوط توقفنا فى منتجع قرية النخيل بمركز أبو تيج لحضور مؤتمر شعبى ينظمه تيار جبهة التحرير (أحد التيارات الجديدة المنبثقة عن الثورة وفهمى أنه تيار ناصرى جديد). ومرة أخرى مظاهر الثورة وما حققته من حرية وتغيير فى كل مكان. مالك المنتجع فتح أبوابه لاستقبال كل من يريد الحديث والنقاش والاستماع لرأى الآخر، وقد استضاف ممثلى جماعة الإخوان المسلمين وممثلى تيارات أخرى فى لقاءات سابقة، وهو سعيد وفخور بذلك وبأن ليس عليه الحصول على ترخيص ولا القلق من عواقب المناقشة.
الحضور من كل الأعمار، والسيدات والفتيات حضرن بقوة وإن كان بحياء صعيدى مشهور ولكن بعزيمة وتصميم أكثر شهرة. الاحترام العميق للآراء المخالفة لافت. على بعد نصف كيلو انعقد لقاء آخر للتيار الإسلامى فى مركز أبو تيج، وفى الجهة المقابلة احتفال مديرية التعليم بيوم المدرس المثالى، ولا أحد يشعر بقيد على حريته فى الكلام. فى نهاية جولتى الأولى فى الصعيد بعد الثورة فهمت من أصدقائى وأقاربى أن ما شاهدته فى جنوب أسيوط لا يختلف كثيرا عما يحدث فى باقى مراكز المحافظة. رغبة الشباب فى المشاركة فى مرحلة ما بعد الثورة جارفة، ولكن الشعور بالبعد المكانى عن قلب الأحداث وعن مراكز صنع القرار مستمر فى الثورة كما كان قبلها.
هناك متغيرات إيجابية لا يمكن إنكارها، الشباب وجد ثقة فى نفسه لم تكن بذات الوضوح من قبل، وإن ظلت مقرونة بتراث احترام الأكبر سنا الذى يتميز به الصعيد. هذا التطور فى تقديرى ليس عابرا وإنما يمكن أن يترتب عليه تغير فى ميزان المشاركة السياسية على نحو يجعل العنصر الشبابى قوة أكثر فاعلية وتأثيرا فى الحياة السياسية فى الصعيد. كذلك فإن مشاركة النساء والفتيات أكثر وضوحا. ولكن هناك أيضا أسئلة ومخاوف من المستقبل، فالجميع يترقبون ما سوف يكون عليه نشاط التيار الإسلامى بمختلف اتجاهاته الآن وقد صار جزءا من العمل السياسى المشروع لا المحظور.
كذلك تظل العائلات الكبيرة والقوية مسيطرة على الساحة وليس واضحا ما إذا كان سيصبح لها دور أكثر إيجابية فى المرحلة القادمة وفى بناء مجتمع جديد أم سوف تظل مستأسرة بموارد الصعيد من خلال حزب حاكم جديد. والمظاهر السلبية وجدت لنفسها سبيلا فى غياب الشرطة ورقابة الدولة خلال الأسابيع الأولى للثورة، فالبناء على الأراضى الزراعية والتعديات العمرانية ظاهر، ومن فاته أن يأخذ بثأر عائلته قبل ذلك استغل الفرصة فزادت حوادث القتل المرتبطة بالثأر. والفتنة الطائفية لا تزال نائمة ولكن الجميع يخشون استيقاظها. والعائدون بلا عمل من ليبيا ومن منتجعات البحر الأحمر والغردقة يضيفون إلى هموم الصعيد الاقتصادية. الفرص التى تتيحها أجواء الثورة إذن كبيرة، ولكن المخاوف والمخاطر لا يستهان بها. والشباب لديهم رغبة عارمة فى المشاركة والانضمام إلى التيارات السياسية المختلفة التى سوف تتشكل وتتنافس فى الشهور القادمة.
لذلك فأتمنى إلا تهدر هذه الأحزاب والتيارات السياسية الفرصة وألا تظل تتعامل مع الصعيد من منظور بعيد ومنفصل، فهى بحاجة للتفاعل مع الصعيد بقدر ما يحتاج الصعايدة للمشاركة فى الحوار السياسى الدائر. فى طريق العودة فكرت أيضا فى اللقاءات والاجتماعات التى حضرتها فى الأيام السابقة على سفرى لأسيوط واستمعت فيها إلى طارق البشرى وتهانى الجبالى ومحمد أبو الغار وعصام العريان وعمرو حمزاوى وأبوالعلا ماضى وإبراهيم عيسى وأسامة الغزالة حرب وغيرهم ممن صنعوا الثورة أو شاركوا فى وضع تصور لما يأتى بعدها، وتمنيت لو يحضرون يوما لزيارة أسيوط والحديث مع جماهير الصعيد وشبابها، فهى جماهير متعطشة للمشاركة ولأن تكون جزءا من حوار قومى واسع، ولديها ما تضيفه فى هذه اللحظة التى يتحدد فيها مستقبل مصر.