تشريح بعض المسكوت عنه فى النقاش العام
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
السبت 22 مارس 2014 - 6:30 ص
بتوقيت القاهرة
لا تقدم الخبرات العالمية المعاصرة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، دليلا واحدا على إمكانية التأسيس لسيادة القانون ولدولة العدل وللعيش المشترك فى المجتمع دون التزام بحقوق وحريات المواطن دون تمييز ومحاسبة المتورطين فى انتهاكها دون تمييز أيضا. فلا يستقيم أبدا تجاهل بعض الانتهاكات لأن ضحاياها يصنفون «كمغضوب عليهم» مجتمعيا وسياسيا (كعناصر الإخوان التى لم يثبت عليها التورط فى العنف أو شباب الجامعات والحركات الثورية الذين يعبرون عن رفضهم للفاشية الدينية وللفاشية العسكرية)، تماما كما يسقط أخلاقيا الصمت عن إدانة الإرهاب والعنف ورفض التبرير أو التوظيف السياسى له. ولا يستقيم التغاضى عن المطالبة بمحاسبة بعض المتورطين فى انتهاكات الحقوق والحريات نظرا لمواقعهم التنفيذية أو شبكات القوة والنفوذ المحيطة بهم أو لصعوبة الحسابات السياسية.
لا تقدم الخبرات العالمية المعاصرة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، دليلا واحدا على أن التوسع فى القضاء الاستثنائى والإجراءات الاستثنائية يمكن من المواجهة الفعالة للعنف وللأعمال الإرهابية وتقديم مرتكبيها إلى العدالة وعزل مؤيديهم مجتمعيا.
•••
لا تقدم الخبرات العالمية المعاصرة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، دليلا واحدا على أن الاعتماد الأحادى على الحل الأمنى وتعطيل الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل وإماتة السياسة بمضامينها الحقيقية، يباعدان بين الدولة والمجتمع وبين المعاناة طويلة المدى من العنف والإرهاب أو يحولان دون انتشار جغرافيا الكراهية والثأر والتورط فى انتهاكات واسعة للحقوق وللحريات.
لا تقدم الخبرات العالمية المعاصرة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، دليلا واحدا على أن الاعتماد على الحل الأمنى يمكن معه الإبقاء على مساحة عامة تعددية ومتسامحة مع الاختلاف ورشيدة وإنسانية أو مقاومة الانزلاق باتجاه القضاء على فرص التحول الديمقراطى. فدوما ما يأتى الحل الأمنى مصحوبا بالصوت الواحد والرأى الواحد والموقف الواحد والبطل المخلص الواحد، دوما ما يأتى مصحوبا بقمع الأصوات والمجموعات المطالبة بالديمقراطية، دوما ما يأتى مصحوبا برفض التعددية والاختلاف وممارسة الاستعلاء عليهما بثنائيات «إما معنا وإما ضدنا» الحدية. بل إن الدول والمجتمعات التى استقرت نظمها ومؤسساتها الديمقراطية تعانى أيضا من نشوء مساحة عامة إقصائية وطاردة للرأى الآخر حين يمسك بها الحل الأمنى وهى تواجه العنف أو الأعمال الإرهابية، وفى خبرة الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وفاشية بوش التى عصفت بالكثير من ضمانات الحقوق والحريات وروجت لهيستريا «من ليس معنا فهو ضدنا» وصنعت من العرب والمسلمين فى الداخل الأمريكى وخارجه «العدو الجديد» وتورطت فى احتلال عسكرى لأفغانستان والعراق نموذجا واضحا لذلك.
لا تقدم الخبرات العالمية المعاصرة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، دليلا واحدا على يسر أو سهولة عودة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها إلى الالتزام بسيادة القانون وبضمانات الحقوق والحريات وإلى إحياء السياسة بعد أن تتراجع ظواهر العنف والأعمال الإرهابية. على النقيض من ذلك تماما، تتواصل صناعة «الأعداء» وتنتشر مقولات «الدولة فى خطر» ويزيف الوعى العام عبر حديث «التآمر» الداخلى والخارجى وتستمر من ثم المتوالية اللعينة للعصف بسيادة القانون ولموت السياسة وتعتاش عليها نخب ومجموعات مصالح كثيرة.
•••
لا تقدم الخبرات العالمية المعاصرة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، دليلا واحدا على قدرة المجتمع الذى تزج به الدولة ومؤسساتها وأجهزتها إلى عصف بسيادة القانون وإلى تعميم القضاء والإجراءات الاستثنائية وإلى التعامل بمعايير مزدوجة مع انتهاكات الحقوق والحريات وتغييب محاسبة المتورطين بها على الحفاظ على قيم العيش المشترك والسلم المجتمعى، أو على مجرد الاتساق الإنسانى للمواطنات وللمواطنين الذين يندفعون إلى تقبل بل وتأييد الخروج على القانون ومقولات العقاب الجماعى وينزعون الإنسانية عن المختلفين معهم ويستسيغون أحاديث «الاستثناء المؤقت» و«الاستبداد الصالح» وغيرهما.
هذه بعض مضامين وسياقات المسكوت عنه فى نقاشنا العام، ومسئولية الصمت تتحملها هنا أسراب طيور ظلام المرحلة.