بين رواتب الوزراء وأصحاب المعاشات أوجاع مجتمعية
طارق عبد العال
آخر تحديث:
الأحد 22 أبريل 2018 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
تزامنا مع حصول الدولة على قرض من البنك الدولى بقيمة 500 مليون دولار، مقسمة على خمس سنوات لتطوير منظومة التعليم فى مصر، فقد وافق مجلس النواب المصرى على تعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987، بشأن تحديد مرتبات الوزراء ونوابهم ورئيس مجلس الوزراء، والمحافظين ونوابهم، والتى تم تحديدها فى القانون الجديد بما يُعادل اثنين وأربعين ألف جنيه مصرى وهى القيمة المحددة كحد أقصى للأجور فى مصر، على أن يتقاضى نواب الوزراء ونواب المحافظين ما يُعادل 90% من الحد الأقصى للأجور، وهو ما يساوى مبلغ 37800 جنيه، وذلك أيضا قد جاء متزامنا مع حكم محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 16384 لسنة 70 قضائية بخصوص ضم العلاوات الخمس الأخيرة لأرباب المعاشات، ويطيب لى أن أضع أمامكم منطوق حكم المحكمة بقولها: بإلغاء قرار جهة الإدارة المدعى عليها السلبى بالامتناع عن زيادة المعاش عن الأجر المتغير لأى محال للمعاش بنسبة 80% من قيمة العلاوات الخاصة «الخمس» الأخيرة من حياته، غير المضمومة للأجر الأساسى دون تحمله عبء الحصول على حكم قضائى مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية دون إعلان وألزمت جهة الإدارة المصروفات، حيث إن المحكمة تقدر درجة الإلحاح العالية للاحتياجات الأساسية والضرورية لأصحاب المعاشات والذين هم فى أمس الحاجة إلى سرعة وزيادة أنواع الرعاية حتى يتمكن أى منهما من مواجهة احتياجه للحاجة وما يعانيه من عجز ومرض. وقد تقدمت الحكومة باستشكال فى تنفيذ ذلك الحكم أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة «غير المختصة قانونا»، والتى قضت فى ذلك الاستشكال، بقبول الاستشكال المقدم من وزارة التضامن، والتى تطلب فيه، وقف تنفيذ الحكم الصادر من القضاء الإدارى، بإلزام الحكومة بإضافة نسبة الـ80% من قيمة الخمس علاوات إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات، لحين الفصل فى الطعن المقام، أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد قصدت بوصفى غير المختصة عن محكمة الأمور المستعجلة، هو أن الدستور قد حدد اختصاص جميع المنازعات المتعلقة بأحكام القضاء الإدارى أمام نفس المحكمة، ولا ينعقد الاختصاص إطلاقا لمحكمة الأمور المستعجلة، وقد سبق للمحكمة الإدارية العليا أن أفصحت عن تلك المعانى بمعان أكثر حدة، حتى إنها قالت عن استشكال حكم قضية تيران وصنافير، والذى سبق وأن أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، بأنه والعدم سواء، ولو لم يكن القصد من المقال هو تناول تعديلات المرتبات، لكان لزاما أن أتبين لماذا تلجأ الحكومة إلى محكمة الأمور المستعجلة، وهى متيقنة تماما بكونها غير مختصة بتلك المنازعات، هل الحكومة لا تحترم مبدأ سيادة القانون، أم أنها تعلو على القانون؟!
***
عودًا لذى بدء، أنا لست ضد إنصاف أى فرقة من المواطنين بغض النظر عن مسمياتهم الوظيفية، ولكنى ضد التمييز بين طوائف المجتمع المختلفة، وضد استخدام القانون، الذى من المفترض بأنه الأداة الوحيدة الرسمية لتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين، لإحداث فرقة بينهم، أو بين بعض طوائف المجتمع، والبعض الآخر، إذ إنه بالقدر الذى سعت به الدولة ومجلس النواب إلى تحقيق رخاء لفئة الوزراء ونوابهم، حتى إنها قد أعفت معاشاتهم الضخمة بموجب التعديل الأخير من استقطاعات لصالح الضرائب أو أى رسوم أخرى، فإن كان القصد من إصدار هذا التعديل هو الحرص على المستوى المعيشى للمخاطبين بأحكامها، فإنه فى ذات الوقت أجد أن الفئات الأقل دخلا من الموظفين وأرباب المعاشات، أيضا لهم الحق فى ضمان مستوى من المعيشة، يضمن على الأقل الحصول على المتطلبات الأساسية واللازمة لحياتهم.
ومن زاوية ثانية تخص المعلمين، وهم الفئة الضامنة لحسن سير العملية التعليمية، فيجب حين النظر إلى تطوير المسألة التعليمية، والتى تم الاقتراض بخصوصها، أن يتم النظر فى نفس التوقيت لكيفية تحسين وضعهم الاقتصادى، والنظر بعين ثاقبة إلى دخولهم ورواتبهم، حيث إن تطوير التعليم فى مصر لن يؤتى ثماره إلا بالقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، وجعل مسألة التعليم لا تخرج عن نطاق المدرسة والبيت، وهو الموضوع الذى يتواكب مع ما اقترضته الحكومة من أجل تطوير التعليم وتغيير منظومته، وبما أن هذه فئة من العاملين المدنيين بالدولة، وإن كنت أرى أنها الفئة التى عليها تُبنى الأمم ويُصنع مستقبلها، بحسب كونها هى التى تؤسس لمستقبل الأجيال القادمة، فأوجب بالحكومة ومجلس النواب أن تنظر إلى المعلمين وتعيد حساباتها بخصوص رواتبهم، إن لم يكن على الأقل أسوة بالدول التى أخذت إلى التقدم والرقى طريقا، وتنبهت إلى أهمية وضع المعلم فى المجتمع، فليكن من زاوية بعض المساواة بالمقارنة إلى التدخل التشريعى السريع بخصوص طائفة الوزراء والمحافظين ونوابهم.
ولكن وبشكل أكثر إجمالا، أو بنظرة فوقية إلى الأمور، فهل نحن دولة محمَّلة بالديون، التى زادت عن الحد خلال السنوات الأخيرة، حتى باتت ظاهرة الاستدانة من الدول المختلفة أو من الهيئات الأخرى أمرا من الأمور الطبيعية تراه على صفحات الجرائد، أو من خلال مخرجات مجلس النواب بقوانين بالموافقة على اتفاقية قروض، وإذا ما سيرنا تلك الحقيقة، والتى لا تكف تصريحات المسئولين عن إطلاقها بين الحين والآخر، فهل هذا هو الوقت المناسب لزيادة رواتب أو مستحقات المسئولين الأرفع فى الدولة إلى أن تصل إلى الحد الأقصى المسموح به؟ وإن كان فرضا وقتا مناسبا بخصوص الفئة المخاطبة بأحكام القانون، فمتى يتم النظر إلى باقى المجتمع، الذى أكلته سياسات الحكومة خلال سنواتها الماضية، من ارتفاع أسعار مرات عديدة، حتى طال ارتفاع الأسعار الجنونى القدرة على التداوى أو شراء الأدوية التى ارتفع سعرها بشكل متضاعف، هذا بخلاف انهيار قيمة العملة المصرية بعد تعويمها استجابة لسياسة صندوق النقد الدولى.
***
أرانى من داخلى مشفقا جدا على أولى السلطة فى مختلف المواقع، وذلك لكثرة مشكلات المجتمع، بل وتضخم العديد من المشكلات، وأهمها الصحة والتعليم، وينضم إليهما الحق فى الغذاء، وهى المشكلات التى تتطلب يدًا عاجلة للمعالجة وتصويب المسار، يدًا مخلصة فى الأخذ بأسباب النمو، ولكنى وفى نفس الوقت أرانى أكثر إشفاقا على الفقر الذى صار وليفا للحياة اليومية لغالبية المصريين، وأرانى أكثر انحيازا لجانبهم، وذلك لكونهم هم الفئة التى تعايش المشكلة وتعانى من مراراتها، وتتذوق مُـرَّ المأساة يوميا سواء كان فى البحث عن غذاء أفضل أو فرصة فى العلاج داخل أروقة المستشفيات الحكومية، التى قاربت على الاختفاء بعد توجه سياسة الدولة إلى خصخصتها، وهى التى حالها من الازدحام يشبه حال مركبات النقل العام، أو يبحث أفرادها لأطفالهم لفرصة تعليمية تضمن حدا شبه معقول لمستقبل يعلمه الله.