المسيح «المعلم».. عليه السلام
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 22 أبريل 2022 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
• لا رسالة حق بغير رسول، فالرسول هو مبلغ الرسالة وجوهرها، وهو أصل قوتها وحيويتها، والمسيح هو أصل رسالة المسيحية وكل ما عداه فرع عليه، وما من رسول أُرسل إلا سلَّحه الله بملكات وقدرات وآيات ومعجزات تكفل له نجاح رسالته.
• وهناك شرطان لنجاح أى دعوة حق أولهما أن يكون العالم محتاجا إليها وقتها والشرط الثانى أن يكون مستعدا لسماعها، فالحاجة إلى الدعوة كالعلة، والاستعداد لسماعها كالشعور بالعلة أو الاستعداد لطلب الدواء، كما يقول العقاد.
• والعالم فى عصر ميلاد المسيح كان محتاجا إلى دعوة المسيح عليه السلام وكان أيضا مستعدا لسماعهما، فالعالم كان ينتظر المسيح المنتظر الموعود فى تلك الحقبة من الزمن، وكان يؤمن أيضا بإفلاس الوثنية ويعيش فى بؤس ويأس مستسلمين لشهوات الدنيا أو لعبادة الطقوس.
•ومن أهم شروط نجاح هذه الدعوة قدرة الداعى على كسب النفوس واجتذاب الأسماع، وكان ذلك متوافرا بقوة فى صاحب الدعوة ورائدها نبى الله العظيم المسيح بن مريم، والذى كان يطلق عليه بحق «المعلم» وكان ينادى بهذا الاسم فى كل المحافل والمجامع، وناداه بهذا اللقب تلاميذه كما ناداه به خصومه، وروته عنه الأناجيل مرات كثيرة.
•وحقيق أن يطلق على السيد المسيح أنه «المعلم» بحق فله الريادة فى التعليم والإقناع وغزو القلب بسهام الكلم الطيب والحب الفياض، فقد كانت مهمته الكبرى تعليم الناس معانى الدين والخلق الكريم والمحبة الصافية والإحياء الروحى عن طريق هذا التعليم.
• «المعلم» أبرز لقب أطلق على المسيح عليه السلام، ولم يكن إطلاقه عليه نوعا من التزيد أو اللغو كما يفعل الناس الآن، فالمسيح كان جديرا بهذا اللقب، فحديثه فيه علم واسع بالكتب والأسفار وبديهة حاضرة فى الاستشهاد بها والتعقيب عليها، وكان يرتل مزامير داود ويحفظ كتب أرميا وأشعيا وحزقيال.
• وكما يقول العقاد إنه كان يعرف اليونانية وحديثه مع بيلاطس كان بها، وكان يعرف العبرية الفصحى التى تدرس بها كتب موسى والأنبياء ويعرف الأرامية التى يتحدث بها البلغاء.
• سيقول البعض إن الكتبة والفريسيين كانوا يعرفون هذه اللغات ولكن أرواحهم وكلماتهم كانت ميتة، أما المسيح فكانت كلماته تبث الحياة والحب والأمل فى النفوس، «وكان ينفث فى الخواطر تلك الراحة التى تشبه راحة السريرة حين تتناسق فيها الأنغام التى كانت متنافرة قبل أن تجمع وتصاغ» بحسب تعبير العقاد.
• لغة السيد المسيح كانت لغة فريدة رائعة فى كلماتها ومفرداتها وبلاغتها وسياقاتها وأمثلتها ولولا ذلك ما أخذت بمجامع القلوب وما أثرت ذلك التأثير الرائع فى اتباعه.
• كان أسلوبه كما يرى العقاد نمطا فريدا بين النثر المرسل والشعر المنظوم يلائم دروس التعليم التى تحفز الذاكرة والخيال، وكان يكثر فيه الترديد والتقرير وأبرز مثال على ذلك: «اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، لأن من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له الباب، من منكم يسأله ابنه خبزا فيعطيه حجرا، فإذا كنتم وأنتم أشرار تحسنون العطاء للأبناء، فكيف بالأب الذى فى السماء يعطى الروح القدس لمن يسألون».
• وكذلك نذيره القوى لأورشليم والذى قال فيه: «يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء، وراجمة المرسلين، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا، هوذا بينكم رهين بالخراب».
• وكل هذه النماذج من حديثه عليه السلام تدل على سلاسة أسلوبه وروعة سياقاته التى يسوق من خلالها خطاباته الدعوية فهو يعتمد على الأمثلة السهلة البسيطة منها ما يعول على الحكمة مثل «لا تطرحوا الدرر أمام الخنازير»، «بالكيل الذى تكيلون يكال لكم»، «أيها المداوى داو نفسك»، «خمر جديدة فى زقاق قديمة»، «لا تدع يسارك تعلم بما تصنع يمينك»، «من ثمارهم تعرفونهم»، «لا كرامة لنبى فى وطنه».
• ومنها ما يبنى على القياس «إن كنتم تحبون من يحبونكم فأى فضل لكم؟ أليس ذلك شأن العشارين».
• ويستخدم المثل أحيانا فى تبكيت من ينكرون عليه صحبة العصاة والخاطئين فيقول «لا حاجة بالأصحاء إلى طبيب، إنما المرضى يحتاجون إلى الأطباء»، ومنه «إن كان النور الذى فيك ظلاما فالظلام كم يكون».
• وأحيانا يستخدم المثل الذى يعول على التشبيهات تسهيلا على تلاميذه «أنتم ملح الأرض، فإن فسد الملح فبماذا يصلح، إنه لا يصلح إذن إلا أن يلقى على التراب ويداس، أنتم نور العالم، ولا خفاء لمدينة قائمة على رأس جبل، وما من سراج يوقد ليوضع تحت المكيال ولكنه يرفع على المنار يستضىء به جميع من فى الدار»..
• وكان السيد المسيح رائعا فى كلماته وأمثاله التى تجلى المعانى الدقيقة بالمقابلة بين الأضداد فيقول «يرون القذى فى أعين غيرهم ولا يرون الخشبة فى أعينهم»، ويقول «يحاسبون على البعوضة ويبلعون الجمل»، «فى الظاهر جدران مبيضة وفى الباطن عظام نخرة»، «غنى يدخل باب السماء كحبل غليظ يدخل فى سم الخياط».
• كانت مثل هذه الكلمات الدقيقة الرائعة تأتى تلقائية وعفو الخاطر أو جوابا على سؤال أو تعليقا على حدث، أو شرحا لقضية، تأتى فى سهولة ويسر ودون تعقيد، وبعض حكمة ومواعظة قد تكون جاشت فى نفسه فى أوقات خلوته ومناجاته لربه فانتظمت كحبات العقد من اللؤلؤ، كان حضوره المشرق وعطفه وحنانه يزيدان الكلام بهاءً ونورا ويوصلانه بسهولة إلى القلوب، وكانت كل كلمة منه تزيل وحشة أو ترفع حاجزا أو تدنى مسافة بينه وبين الناس، إنه بيان المعلم المحبوب، سلام على المسيح عليه السلام، وعلى جميع رسل الله.