بعض دلالات الجولة الأولى من المباحثات بين روسيا وتحالف دول الساحل الإفريقى

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

 تشهد السياسة الخارجية لدول الساحل الإفريقى تحولًا نوعيًا بالتقارب نحو روسيا، وهو ما اتضح جليًا فى إجراء مباحثات رسمية لوزراء خارجية الاتحاد الروسى وتحالف دول الساحل (AES)، فى موسكو يومى 3 و4 أبريل 2025، وتُعد هذه المرة الأولى التى تُعقد فيها المشاورات بصيغة رباعية بين روسيا وثلاث دول من تحالف دول الساحل؛ إذ تسعى هذه الدول الثلاث للابتعاد عن التحالفات الغربية وتفكيك الروابط مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، وبناء هيكل أمنى إقليمى جديد، والتعاون مع الدول التى تركز على التفاعل المتساوى القائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة. وتُحاول هذه الورقة البحثية استعراض السياق المُصاحب للزيارة، وأبرز مخرجات الزيارة وتناول دوافع التقارب بين روسيا وتحالف دول الساحل، والتحديات المُحتملة.

بناءً على دعوة من حكومة الاتحاد الروسى، عُقدت المشاورات الأولى لوزراء خارجية الاتحاد الروسى واتحاد دول الساحل فى موسكو بتاريخ 3 أبريل 2025. وترأس الوفود وزير خارجية الاتحاد الروسى سيرجى لافروف، ووزير الشئون الخارجية والتعاون الدولى فى جمهورية مالى عبد الله ديوب، ووزير الخارجية والتعاون الإقليمى لجمهورية بوركينا فاسو كاراموكو تراورى، ووزير الشئون الخارجية والتعاون والنيجريين بالخارج لجمهورية النيجر باكارى ياو سانغارى. وبحسب البيان المُشترك الصادر فى الثالث من أبريل 2025 حول نتائج المشاورات بين وزيرى خارجية روسيا الاتحادية واتحاد دول الساحل، فقد صار التوافق بشأن عدد من الأمور، والتى يمكن استعراض أبرزها، وذلك على النحو التالى:

مجال الأمن والدفاع: أعرب الجانبان عن التزامهما بتكثيف الجهود لمكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار بجميع أشكاله، كما أعربت روسيا عن التزامها بتسهيل اقتناء معدات عسكرية رئيسية وعالية الأداء وتدريب مناسب للقوة الإقليمية التى أعلن عنها تحالف دول الساحل فى يناير 2025 البالغ قوامها 5000 جندى. علاوة على ذلك، أعربت روسيا عن استعدادها لتقديم المساعدة الفنية اللازمة.

تعزيز العلاقات الدبلوماسية: تعد هذه المباحثات فرصة لتبادل الآراء بشأن القضايا محل الاهتمام المُشترك، كما أجرى التوافق بشأن نزع الطابع السياسى عن قضايا حقوق الإنسان، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، والمساواة فى معاملة الدول فى الهياكل الدولية.

التعاون الاقتصادى: أفرزت المباحثات إلى توصل الطرفين إلى التوافق فى الآراء بشأن الدور الرئيسى للتعاون الاقتصادى على أساس المنفعة المتبادلة والشراكة، وتكثيف الاتصالات بين الفاعلين الاقتصاديين وتهيئة الظروف المواتية للأعمال التجارية.

• • •

اتخذ تحالف دول الساحل الذى دُشّن رسميًا فى يوليو 2024، مجموعة من الإجراءات لفك الارتباط بين دول الساحل وفرنسا، وكذلك الهياكل الإقليمية ذات الصلة بالنفوذ الفرنسي، وهو ما يمكن استعراضه، وذلك على النحو التالى: 

تدهور العلاقات مع فرنسا: شهدت العلاقات بين فرنسا ودول الساحل، وخاصةً النيجر ومالى وبوركينا فاسو.. تدهورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. ويعود ذلك إلى عدة عوامل؛ تشمل: إدانة فرنسا للانقلابات العسكرية التى حدثت فى مالى عام 2020، وفى بوركينا فاسو عام 2022، وفى النيجر عام 2023، وطالبت بعودة الحكم المدنى؛ مما أثار استياء هذه الدول. كما يُوجّه الاتهام لفرنسا بأنها تعمل على الحفاظ على نفوذها الاستعمارى فى المنطقة، وممارسة التدخل فى شئونها الداخلية، إلى جانب عدم فاعلية القوات العسكرية الفرنسية المتواجدة فى منطقة الساحل فى مكافحة الجماعات الإرهابية. وقد أدى تنامى المشاعر المعادية لفرنسا فى هذه الدول إلى إجبار فرنسا على سحب قواتها من مالى عام 2022، كما اضطرت فرنسا لسحب قوتها الخاصة من بوركينا فاسو بطلب من المجلس العسكرى الحاكم.

الانسحاب الرسمى من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا: انسحبت مالى وبوركينافاسو والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) بشكل رسمى فى أواخر يناير 2025. وبُرّر الانسحاب بناءً على مجموعة من الأسباب؛ العقوبات القاسية التى فرضتها المجموعة الاقتصادية على مالى وبوركينافاسو والنيجر بعد الانقلابات العسكرية، شملت هذه العقوبات تجميد المساعدة المالية وتقييد حركة التجارة، وهو ما يفاقم معاناة الشعب، إلى جانب عدم تقديم المجموعة الاقتصادية الدعم الكافى لمكافحة الإرهاب.

نسج تحالفات دولية بديلة: هناك رغبة مشتركة من جانب دول تحالف الساحل لتقليل النفوذ الفرنسى، مستندة إلى مشاعر معادية لفرنسا بسبب الارتباطات الاستعمارية السابقة، وهو ما دفع دول تحالف الساحل للبحث عن شركاء دوليين جدد، وهو ما تقاطع مع الرغبة الروسية لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الغربية من تحالف دول الساحل.

• • •

بدت الزيارة التى قام تحالف دول الساحل (AES) إلى موسكو كأنها تدشين لعصر جديد من العلاقات، لكن التساؤل القائم هل ستنجح روسيا فى تقديم مقاربة مغايرة عن النموذج الغربى فى معالجة التحديات التى تواجه تحالف دول الساحل، ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل، وذلك على النحو التالى:

التحديات الأمنية: تُعد مالى والنيجر وبوركينا فاسو من أكثر الدول تعرضًا للهجمات الإرهابية فى منطقة الساحل الإفريقى، تنشط فى هذه الدول عدد من التنظيمات الإرهابية، والتى أبرزها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والتى تُعتبر الذراع الرسمية لتنظيم القاعدة فى مالى، وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، والذى ينشط فى شمال مالى. تعمل هذه المجموعات على توظيف الهشاشة الأمنية وتدهور الأوضاع الاقتصادية لتعزيز حضورها فى المنطقة، وهو ما يُشكل تهديدًا للأمن الإقليمى.

وفى ضوء الاستعراض السابق، نجد أن التقارب بين روسيا ودول تحالف الساحل، ربما سيسهم فى تقليل النفوذ الغرب، وفيما يتعلق بمعالجة التهديدات الإرهابية، لا شك أن التصريحات الرسمية الصادرة من جانب روسيا، تكشف التعهد الروسى بتوفر التدريب العسكرى والأسلحة والعمل على تعزيز قدرات الجيوش الوطنية، وهو ما سيسهم فى تعزيز السيادة الوطنية. لكن نجد أن قوات «فاجنر» التى نشرت فى مالى عام 2021 لدعم الجيش المالى ضد المتمردين الطوارق والمجموعات الإسلامية المرتبطة بالقاعدة، قد تعرضت لانتكاسة كبيرة فى شمال مالى فى يوليو 2024، فقد وقعت المعركة فى بلدة تينزواتن قرب الحدود مع الجزائر، وواجهوا ما لا يقل عن مئات من الانفصاليين، معظمهم من جماعة الطوارق العرقية، الذين يقاتلون من أجل الاستقلال فى شمال مالى، وقد أسفرت هذه المعركة عن مقتل لا يقل عن 46 مقاتلًا من قوات «فاجنر» و24 جنديًا ماليًا، وتكشف هذه الواقعة عن القدرات الفعلية لقوات «فاجنر» بأنها غير قادرة على التعامل مع البيئة الأمنية المُعقدة فى مالى.

التحديات الاقتصادية: تعانى هذه الدول من تردى الأوضاع الاقتصادية، فعلى الرغم من أن دول تحالف الساحل تتسم بأنها غنية بالموارد الطبيعية، فإن هذه الدول تعانى من الفقر، اعتمادًا على التقارير الصادرة عن البنك الدولى، بلغ معدل الفقر المدقع فى مالى 19.1% فى 2022، كما أن الفقر يتركز فى المناطق الريفية؛ حيث تشكل 90% من الفقراء؛ مما يعكس الحاجة إلى استثمارات أكبر فى البنية التحتية والخدمات الأساسية.

وفى ضوء ما سبق ذكره، هل ستعالج روسيا التحديات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجه تحالف دول الساحل، يمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال استعراض أن العقوبات التى فرضتها الدول الغربية على روسيا فى سياق غزو روسيا لأوكرانيا فى فبراير 2022، قد أضعف من القدرات الاقتصادية لروسيا، ويمكن استعراض أبرز المؤشرات؛ فقد انخفضت قيمة الروبل بأكثر من نصف قيمته مقابل الدولار واليورو، كما تعرض أكثر من 70% من الأصول المصرفية الروسية للعقوبات، كما يتوقع صندوق النقد الدولى نموًا بطيئًا بمعدل 1% سنويًا فى المستقبل. وفى ضوء هذه المؤشرات الاقتصادية، يُمكن القول إن المقاربة الروسية حيال تحالف دول الساحل، من المُحتمل ألا تتسم بالفاعلية فى معالجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانعدام الأمن الإنسانى وضعف المؤسسات، وهو ما يعنى أن هذا النموذج لن يُقدم حلولًا مُستدامة للتحديات الهيكلية التى تواجه دول الساحل، لا سيما معالجة جذور المشاكل الاقتصادية، مثل ضعف البنية التحتية والوصول المحدود إلى الأسواق العالمية.

مُجمل القول، يشير التقارب بين روسيا وتحالف دول الساحل إلى تشكيل كتلة إقليمية فى الساحل الإفريقى مُناهضة للنفوذ الغربى ومُوالية للسياسات الروسية التى تُقدم دعمًا على كافة الأصعدة لدول تحالف الساحل دون شروط سياسية صارمة. ولا شك أن التحالف بين روسيا وتحالف دول الساحل، سيكون محل اختبار وتقييم، وهو ما يتطلب متابعة التفاعلات بين الطرفين، لمعرفة هل ستقدم روسيا نموذجًا يُحتذى به لمعالجة التحديات التى تواجه تحالف دول الساحل أم أن الأوضاع ستزداد تدهورًا فى المنطقة.

 

أسماء عادل

 

المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

النص الأصلى:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved