إنهم يستكردوننا مرة أخرى
وائل قنديل
آخر تحديث:
الأحد 22 مايو 2011 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
يحسب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة تشديده مرارا وتكرارا على أنه لا يريد أن يحكم البلد، بل فقط يديرها مؤقتا، كما لا ينسى أحد تصريح أحد أعضائه حين أكد تمسك المجلس بمدنية الدولة، شارحا معنى «المدنية» بأنها لا «دينية» ولا «عسكرية» أيضا. كان هذا الموقف الرائع معلنا وواضحا، غير أن ثمة أشياء تدور الآن يخشى منها على المجلس العسكرى من محاولات استدراجه إلى لعبة الحكم، رغم أن المجلس حسم أمره وأعلنها صريحة أنه لا يسعى إلى حكم مصر «المدنية».
وأزعم أن إلحاح البعض على الترويج لما توصف بأنها «مليونيات لمطالبة المجلس العسكرى بحكم مصر» والتسابق المضحك لاستخدام لعبة «عداد التوكيلات» المطالبة باستمرار حكم مصر عسكريا، أزعم أن ذلك كله يسىء إلى المجلس الأعلى، وقبل ذلك يطعن الثورة المصرية المجيدة فى قلبها الأبيض الناصع، وينقلها من وضعية «الثورة» إلى وضعية «الانقلاب» على نحو يستفز مشاعر ملايين المصريين الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وخرجوا لاقتطاف حلم الدولة المدنية العصرية الديمقراطية الحديثة من عنان السماء.
إن المشهد الراهن يعيد إلى الأذهان تلك الحالة «الكردية» التى اندلعت فى الأيام السابقة على ثورة 25 يناير، حين انفجرت بالوعات التوكيلات والملصقات المطالبة بترشيح جمال مبارك رئيسا لمصر، وذلك فى إطار حملة منظمة انطلقت وسط ترحيب صامت من الأجهزة الأمنية، التى كانت «تستأسد» على نشطاء الجمعية الوطنية للتغيير وحركة 6 أبريل وبقية مجموعات المعارضة المطالبة بالتغيير، بينما «تستنعم» أى تتصرف بنعومة مفرطة تقترب من التدليل لرفاق الأخ مجدى الكردى الذين سدوا عين الشمس بلافتاتهم وملصقاتهم التوريثية.
وإذا كانت الثورة قد قامت وكنست ضمن ما كنست مشروع التوريث ووارت ظاهرة «الاستكراد» الثرى فإن ما يجرى الآن يبدو وكأنه إحياء أو إعادة إنتاج للظاهرة التى جسدت نمطا فريدا من الكوميديا السياسية فى مصر.. وأظن أنه لا يليق بالمؤسسة العسكرية الباسلة أن يحاول البعض ابتذال مقامها ودورها بهذا النوع من الرياء الفج الذى من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بينها وبين صاحب الحق الأصيل فى هذه الثورة وأعنى الشعب الذى انتفض وثار ودفع مئات الشهداء وآلاف الجرحى ثمنا عزيزا وغاليا من أجل الحصول على مصر ديمقراطية عصرية نظيفة وحديثة.
ويبقى أن هذا النوع من الحملات يمثل خطرا على تلك السبيكة المدهشة التى تشكلت من انصهار الشعب والجيش معا، فليتذكر السادة «المستكردون» الجدد أن الظرف لا يسمح بممارسة مثل هذه الألعاب، خصوصا أن هذه الحملات تندلع مع الإعلان عن تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، والذى أثار غضب كثيرين عندما منح المصريين بالخارج حق التصويت باليمين، ثم سلبهم إياه بالشمال، حين نص على التصويت بالرقم القومى وفى الدائرة الانتخابية التى يقيم بها الناخب.
وهذا موضوع آخر نتحدث فيه لاحقا.