جمال «الخبيئة»
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 مايو 2018 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
كنت بالإسكندرية قبل شهر تقريبا حين التقيت بالفنانة التشكيلية نهى ناجى، وتحدثت بحماس عن معرض بعنوان «الخبيئة» كانت تعمل على تجهيزه بمشاركة خمس فنانات أخريات كنت أعرف منهن بشكل شخصى علياء الجريدى وسلوى رشاد، والأولى فنانة حلى وناشطة ثقافية بارزة من مؤسسات وكالة بهنا ومؤسسة جدران وهى فضاء ثقافى فاعل ساهم فى تغيير ملامح الفعل الثقافى بالإسكندرية فى السنوات العشر الأخيرة، أما الثانية فهى مصورة فوتوغرافية اتسمت أعمالها بشعرية مدهشة وارتبطت تجربتها بمجلة «أمكنة» التى يعرف متابعوها مقدار ما أنجزته فى إعادة تعريف المكان وتأطيره جماليا إلى جانب إعادة الاعتبار لفن كتابة الريبورتاج الذى يتعامل مع الصورة كمعطى مجاور للنص السردى لكنه قادر على بناء استقلالية جمالية.
وكان أكثر ما لفت نظرى فيما حكته نهى ناجى رهانها على قيمة العمل الجماعى الذى يقف وراء المعرض منذ أن كان فكرة مجردة قادت إلى حدث فنى متميز جرى تقديمه فى مركز الجزويت الثقافى قبل أن ينتقل للقاهرة فى ضيافة «درب 17 / 18» بالفسطاط ويستقبل يوميا وحتى 2 يونيو المقبل جمهورا استثنائى من متابعى حركة الفن التشكيلى التى تشهد ازدهارا لافتا عكسه بجداره صالون القاهرة الأخير الذى نظمته جمعية محبى الفنون الجميلة.
والمؤسف أن المؤسسات الرسمية المعنية لا تزال غير مدركة لمعنى هذا الازدهار، وغير قادرة على استعادة مناسبات مهمة ــ مثل بينالى القاهرة وبينالى الاسكندرية ــ لعبت دورا حيويا فى إثراء تجارب فنانينا وإنعاش حركة التبادل الثقافى والفنى والتأصيل لفكرة الحوار وهى ضرورة وليست ترفا كما يعتقد البعض.
وتبقى فكرة «الحوار» وتبادل الخبرات واحدة من الدروس الثمينة التى يقدمها المعرض وهى أيضا الشفرة التى تفسر طاقة الأمل التى يمكن إدراكها فى «الخبيئة» التى ضمت أيضا أعمالا لفنانات أخريات منهن: بثينة شعلان، همت ريان، ياسمين حسين، بالإضافة لمشاركة خاصة من مريان فهمى، وأول هذه الدروس إمكانية إنجاز حدث كبير ينطلق من حماس فردى وشغف كامل يقود لتعاون مثمر بين فضاءات مستقلة مثل أتيليه الاسكندرية والجزويت ودرب 17، 18 وأخرى رسمية مثل قطاع الفنون التشكيلية ويقفز فوق تناقضات كل هذه الكيانات انتصارا لدأب أصحاب الفكرة اللواتى نجحن ايضا فى احترام اختلاف خياراتهن الفنية.
وعلى الصعيد الفنى استطاعت الفنانات الست المشاركات التخلص من تجارب أنجزنها فى الماضى وانخرطن جميعا فى ورشة قامت على أسس معرفية وفلسفية انشغلت بالبحث والاستقصاء.
استمرت لمدة عام، وتضمنت قراءات ونقاشات لعدد من النصوص والكتب، أبرزها «لغز عشتار» لفراس السواح، و«نساء يركضن مع الذئاب» للمحللة النفسية كلاريسا بينكولا، وكانت نتيجتها الإدراك بأن نظرة المجتمعات للمرأة مرت بتحولات كثيرة لكنها وقفت فى مجتمعاتنا العربية فى طورها الحالى عند حدود الإدانة والتحريم.
ويقارب المعرض هذا الأمر عبر انفتاحه على الكثير من المفاهيم والتقنيات التى تميز حركة الفن المعاصر فهو يتعامل مع وسائط متنوعة، سمحت للفنانات كذلك باختبار ذواتهن الفنية فى آفاق جديدة لم يقمن بطرقها من قبل وغامرن بالتفاعل مع الفكرة والعمل عليها بمسام مفتوحة تجاوزت فى الأخير حدود الخطاب النسوى التقليدى القائم على لغة الإدانة وخطابيتها المعتادة وتفادت بجمالية مدهشة حدود الفعل المباشر الذى يبتذل الموضوع فنيا، من ثم تحول المعرض لفضاء متكامل يدفع بالمتلقى لمواجهة ذاته وطرح تساؤلاته انطلاقا من الأعمال وليس إسقاطا عليها. وتبقى واحدة من الإضافات الاستثنائية لهذا المعرض، كذلك رهانه على التعامل مع موضوع معقد فلسفيا بخفة لا تعنى الاستسهال وتعى جيدا معنى البساطة وما للدهشة من فضائل.