الوجه العنصري للكورونا
محمد القرماني
آخر تحديث:
الجمعة 22 مايو 2020 - 6:05 م
بتوقيت القاهرة
على الرغم من أن المرض عادةً لا يميز بين غني وفقير إلا أن فيروس كورونا أثبت أن هذا التصور ربما لا يكون فى محله دائماً. ففى الولايات المتحدة الأمريكية التى أصبحت أولى الدول عالمياً من حيث معدل الإصابة والوفيات يظهر بوضوح أن تأثير الكورونا أشد فتكاً على الأقليات العنصرية والإثنية وتحديداً الأشخاص من ذوى الأصول الأفريقية واللاتينية. فوفقاً لأحدث البيانات وقت كتابة هذا المقال أصيب حوالي مليون ونصف مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية بفيروس كورونا وتوفي حوالي ٨٣ ألف شخص وأوضح تقرير صادر عن مراكز السيطرة ومكافحة المرض الأمريكية Centers for Disease Control and Prevention أن السود يمثلون أكثر من ثلث حالات الإصابة بالفيروس على مستوى الدولة وما يقرب من ربع حالات الوفيات. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً يفيد بأن عدة دراسات أجريت فى بعض الولايات على عينات من المصابين أظهرت أن اللاتينيين هم أعلى الفئات الإثنية إصابةً بالفيروس حيث شكلوا ٢٠٪ من الإصابات في ولاية أيوا و٣٠٪ فى ولاية واشنطن و٤٠٪ في فلوريدا. ولا يتناسب حجم الإصابات والوفيات مع نسبة تلك الأقليات لإجمالي عدد السكان في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكل السود حوالى ١٣٪ من السكان في حين يمثل اللاتينيون حوالي ١٨٪ من نسبة السكان. وحتى الآن لم يثبت علمياً أن العوامل الجينية أو الوراثية ذات تأثير فى زيادة فرص الإصابة بالفيروس أو ظهور مضاعفات عند الإصابة به، إلا أن هناك عوامل اقتصادية واجتماعية جعلت تلك الأقليات أكثر عرضة من غيرها للإصابة والوفاة.
ويبد أن ارتفاع معدل الفقر بين هاتين المجموعتين كان له الدور الأبرز فى تعرضهم لمعدلات أعلى للإصابة والوفاة. ففي عام ٢٠١٨ قبع حوالي ٢١٪ من الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقية و١٨٪ من أصول لاتينية تحت خطر الفقر مقارنة بـ ١٢٪ على المستوى الفيدرالي، وتزيد هذه النسب بصورة كبيرة فى المناطق الريفية عن المناطق الحضرية وأيضاً بين السيدات والأطفال وكبار السن، كما ينتمي ٥٠٪ تقريباً من الفقراء فى الولايات المتحدة الأمريكية الى هاتين المجموعتين (السود واللاتينيين). فضلاً عن ذلك لا يملك ما يقرب من ثلاثة أرباع الأمريكيين من أصول أفريقية ولاتينية أية مدخرات وهو ما اضطرهم للاستمرار فى وظائفهم وقت الجائحة وعدم القدرة على اتباع إرشادات التباعد الاجتماعي وإجراءات الوقاية من المرض.
يعتبر تركز الأقليات الاثنية والعرقية في الوظائف الأدنى وتحديداً فى القطاعات الخدمية والزراعية أحد أهم الأسباب التى ساهمت فى تعرضهم للخطر الأكبر للإصابة حيث لم تسمح لهم طبيعة العمل فى الزراعة أو التمريض أو المهن الحرفية فى البقاء بمنازلهم أو العمل عن بعد. كما ساهم أيضاً انخفاض نسبة المؤمن عليهم صحياً من السود واللاتينيين في ارتفاع خطر إصابتهم بالفيروس، فوفقاً لبيانات وزارة الصحة الأمريكية يفتقر ١٧٪ من الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية و١٢٪ من أصول أفريقية للتأمين الصحي مقارنة بـ ٦٪ فقط على مستوى جميع السكان وهو ما ساهم فى تقليل حصولهم على الرعاية الصحية والعلاج.
إضافة إلى ذلك تتكدس الأقليات العرقية في مختلف المدن والولايات الأمريكية فى مناطق وضواحي سكنية فقيرة مكتظة بالسكان تفتقر للعديد من الخدمات الأساسية وهو ما يزيد من خطر الإصابة بالفيروس نظراً لصعوبة ممارسة قواعد التباعد الاجتماعي وأيضاً الاضطرار للتنقل بصورة منتظمة لمسافات طويلة سواء للوصول لمواقع العمل أو التسوق أو للحصول على مختلف الخدمات ومن بينها زيارة المراكز الصحية والمستشفيات وهو ما صعب من مهمة التباعد الاجتماعي والحد من التعاملات البشرية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قطعت شوطاً كبيراً فى ملف المساواة بين المواطنين على أساس عرقي واثني وأنهت على الأقل بشكل قانوني كافة أشكال التمييز العنصري إلا أن العنصرية مازالت تطل بوجهها القبيح حيث يعاني المجتمع الأمريكي من صور عدة للعنصرية الهيكلية Structural Racism والتى تظهر بجلاء في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفقر الغذائي وانتشار الأمراض بين الأقليات الاثنية والعرقية وكذا انخفاض معدل التعليم والحصول على التعليم الجامعي ومستوى الدخل والادخار وغياب العدالة الجنائية وفرص اللجوء للتقاضي والتمييز فى أماكن العمل وفرص الترقي الوظيفي وغيرها.
يظهر هذا المقال أن خطورة فيروس كورونا وتداعياته أكثر شدة على بعض الفئات نظراً لمعاناتهم الاقتصادية والاجتماعية من الأصل، وهذه الفئات ليست بالضرورة مقسمة على أسس عرقية أو اثنية ولكن تشمل كافة المهمشين ومحدودي الدخل والفقراء ممن تعيقهم الظروف على اتباع قواعد التباعد الاجتماعي والوقاية من المرض والعمل عن بعد والحد من التحرك وتخفيف التعامل مع الغير مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة والوفاة. وهو ما ينطبق أيضاً على أصحاب الأمراض المزمنة وممن يعانون من الفقر الغذائي وتبعاته الصحية التى تجعلهم أقل مناعة من غيرهم وبالتالي تزيد احتمالات إصابتهم بالعدوى ومضاعفات المرض والوفاة.