عملة الصين المشفرة الجديدة.. الخطوة الأولى للتخلص من الدولار

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الجمعة 22 مايو 2020 - 6:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة Global research مقالا للكاتب Peter Koenig يرى فيه أن السبب الرئيس من تخوف ترامب من الصين وتهديداته المتكررة لها لا يرجع لسوء إدارتها لأزمة كورونا، بل إلى تزايد قوة عملتها «اليوان» فى مقابل الدولار.. نعرض منه ما يلى.

فى أحد لقاءاته على قناة فوكس نيوز، هدد ترامب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الصين والذى بدوره سيوفر 500 مليار دولار أمريكى، الذى لم يذكر كيف يمكن تحقيقه، بسبب سوء إدارة الصين لأزمة كورونا ورفضها لما حاولت الولايات المتحدة تقديمه من مساعدات.
ولكن، هذه الاتهامات الشديدة لا أساس لها ولا يوجد ما يؤكد أن الصين ساءت إدارة الأزمة أو أنها المسئولة عن تفشيه فى الولايات المتحدة التى تعانى فى الأساس من سوء الإدارة والفساد إلى جانب ما قامت به من تزييف أعداد مصابيها بالكورونا وتزوير شهادات الوفاة. ترامب يدرك سوء إدارته للأزمة فى دولته، ولكن قدراته فى التشهير بأعدائه جيدة فى محاولة منه لإعادة انتخابه.
***
من الواضح أن هجوم الولايات المتحدة على الصين لا يرتبط بسوء علاقة الصين للأزمة، بل بخطوات الصين الجريئة للابتعاد عن اقتصاد الدولار عن طريق:
أولا استخدام اليوان والعملات المحلية لتعزيز التجارة بين دول الآسيان واليابان وكوريا الجنوبية. ستقوم المعاملات النقدية على نظام «الدفع عبر الحدود بين البنوك CIPS»، لتفادى «جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك SWIFT» التى تربط الأسواق العالمية بالدولار لمنع تدخل الولايات المتحدة فى المعاملات النقدية الدولية وردا على تهديد الولايات المتحدة للصين بقطع سلاسل التوريد.
التهديد بقطع سلاسل التوريد خدعة لأن 80% من الصناعات الأمريكية تعتمد بشكل أو بآخر على الإمدادات من الصين خاصة فى الإمدادات الطبية التى تعتمد فيها الولايات المتحدة بنسبة 80 أو 90% على الصين، وهو ما سيضر الولايات المتحدة إن حدث.
فى الربع الأول من عام 2020، أصبحت دول الآسيان أكبر شريك تجارى للصين بنسبة 15,1٪، متجاوزة بذلك الاتحاد الأوروبى. وبلغت التجارة مع كوريا الجنوبية واليابان 13,7٪، ليصبح الإجمالى قريبًا من 30٪. بالإضافة إلى تجارة الصين مع روسيا، وهى نسبة أخرى لا تقل عن 15%، بذلك قد يكون 50% من شركاء الصين لا يعتمدون على الدولار الأمريكى فى التعاملات التجارية.
ثانيا من خلال إطلاق العملة المشفرة وسيطرة بنك الشعب الصينى الجديد عليها فى التجارة الدولية، سيقلص الفرص أمام نظام تحويل الأموال الدولى الذى يتحكم فيه الدولار الأمريكى و«جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك»، والذى يجعل جميع المعاملات عرضة للتدخل الأمريكى وعقوباتها.
***
يجرى حاليًا اختبار الأموال الإلكترونية الصينية الجديدة، أو الرنمينبى الإلكترونى، أو اليوان، فى العديد من المدن الصينية، بما فى ذلك شنتشن وسوتشو، والتى حظيت فيها بقبول عالمى سواء فى الرواتب أن النقل العام أو الطعام وغيرهم. وهو ليس أمرا جديدا فى الصين، فحوالى 90% من المعاملات النقدية تتم إلكترونيا، من خلال WeChat وAliPay، ولكنها لم تحل محل المعاملات النقدية الورقية.
السلع المُسعرْ أغلبها اليوم بالدولار سيتم تسعيرها باليوان وستداول باليوان المشفر. بدأ تسعير السلع باليوان بالفعل، مثل الذهب والنفط والحديد الخام. ومع تعافى الصين من الوباء بشكل أسرع من بقية العالم، ستصبح الاستثمارات المقومة باليوان وأصولها السلعية أكثر جاذبية.
عامل عدم التدخل فى عملة التشفير المدعومة من البنك المركزى الصينى هو عنصر أمان إضافى من شأنه أن يعزز اليوان الصينى كعملة احتياطية. دول العالم سئمت بالفعل من تدخل الولايات المتحدة فى معاملاتها الدولية أو فرضها للعقوبات كل مرة تحاول فيها أى دولة إظهار سيادتها أو عصيانها للإملاءات الأمريكية.. وهذا يقود العديد من الدول التى قد لا تتحدث علنا خوفا من العقوبات، إلى تحويل ممتلكاتها الدولارية تدريجيا وبهدوء إلى اليوان الصينى.
ستحدث نقطة التحول عندما تتبدل حوالى 50٪ من التجارة العالمية والاحتياطيات العالمية إلى اليوان. فى هذه المرحلة، ستختفى هيمنة الدولار وسيحل محله اليوان.
قُتل العديد من قادة الدول لمحاولتهم استبدال الدولار بعملات أخرى. على سبيل المثال قتل صدام حسين لنيته استخدام اليورو فى تداول ثروات الهيدروكربون فى العراق، والقذافى فى ليبيا عندما أراد تقديم الدينار الذهبى كعملة تجارية فى أفريقيا وتحريرها من العبودية النقدية للغرب.
بمجرد نجاح اختبار اليوان الإلكترونى الجديد محليًا، سيتم إطلاقه دوليًا. فى حين أن تدويل عملة الإنترنت الصينية الجديدة المدعومة من البنك الصينى المركزى سيجعل اليوان أكثر جاذبية بين الشركاء التجاريين وأيضًا أكثر جاذبية كعملة احتياطى، قد تقوم الصين فى نفس الوقت بتصفية احتياطاتها الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية (حوالى 1.2 تريليون دولار أمريكي) بشراء الأصول من الخارج المدفوعة بالدولار الأمريكى. وقد تكون استثمارات الحزام والطريق وسيلة مناسبة لتقليل حيازات الدولار فى الداخل.
فى الوقت الحاضر ومنذ أكتوبر 2016، يعد اليوان جزءًا من سلة الخمس عملات الرئيسية فى صندوق النقد الدولى التى تشكل حقوق السحب الخاصة (SDR). توزيع حصة حقوق السحب الخاصة تتمثل فى الدولار الأمريكى 41,73٪ واليورو 30,93٪ واليوان الصينى 10,92٪ والين اليابانى 8,33٪ والجنيه البريطانى 8,09٪. وهذا التوزيع غير متناسب مع القوة الاقتصادية للدول المعنية، وخاصة الصين، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، والتى تتحرك بسرعة باتجاه المركز الأول. قد ترغب الصين فى إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولى حول نسبة عملتها فى حقوق السحب الخاصة، وكذلك مراجعة حصص الدول التى لا تتناسب مع وزنهم الاقتصادى.

إن تعديل الحصص لصالح الصين والتعديل المقابل لنسبة اليوان فى سلة حقوق السحب الخاصة سيعززان عملة الصين بشكل أكبر مقارنة ببقية دول العالم. هذا إلى جانب عملة مشفرة غير فاسدة يسيطر عليها البنك المركزى الصينى وربما مدعومة بالذهب، ستكون احتياطيا قويا تقبل عليها معظم الدول كأصل احتياطى رئيسى.. هذا بالطبع ما تخافه واشنطن. من الواضح أنه سيعرض الهيمنة العالمية للدولار الأمريكى للخطر وربما يسحقه.
***
لذلك، إلقاء الذنب على الصين فى نشر الفيروس انحراف عن السبب الحقيقى فى محاولة ترامب تشويه سمعة الصين فى جميع أنحاء العالم أملا فى تدمير صعود الصين واليوان الصينى وجاذبيته كعملة استثمارية لمعظم دول العالم.
هذا يشبه إلى حد كبير السبب الرئيس للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التى بدأها ترامب فى 2018 ــ 2019 هادفا إلى تدمير سمعة اليوان ولكن دون جدوى، وخسرت الولايات المتحدة حربها فى الأخير. وعلى عكس ما يقوله ترامب، فالولايات المتحدة فى حاجة إلى الصين أكثر من حاجة الصين إلى الولايات المتحدة، فالغرب وخاصة الولايات المتحدة لا يستطيعوا استبدال سلاسل التوريد الصينية.
إن مجموع منظمة شانغهاى للتعاون، ودول الآسيان واليابان وكوريا الجنوبية، يصل إلى أكثر من نصف سكان العالم ويمثل أكثر من ثلث الناتج الاقتصادى العالمى. هذه «حصة سوقية» هائلة فى العالم ومن المحتمل أن تزداد مع كل الفظائع العسكرية والاقتصادية التى تقوم بها واشنطن حول العالم.
مع عملتها المشفرة الجديدة التى سيتم تدويلها فى نهاية المطاف، فإن الصين فى طريقها إلى إحلال اليوان الإلكترونى محل الدولار الأمريكى باعتباره العملة التجارية الرئيسية والاحتياطى الرئيسى لتحل الصين محل الولايات المتحدة باعتبارها المهيمن المالى والاقتصادى العالمى.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved