معوّقات إبرام الاتفاقية الأمريكية السعودية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 22 يونيو 2024 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

ما فتئت الإدارة الأمريكية، ولشهور عدة، تسرّب أن اتفاقية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تلتزم بموجبها السعودية بالتطبيع السياسى مع إسرائيل باتت وشيكة. لكن لا تزال ثمة عقبات عدة تقف عائقًا فى طريق هذه الاتفاقية، أهمها رفض إسرائيل الالتزام ولو لفظيًا بحل الدولتَين، وهو شرط أعلنت السعودية تمسّكها به قبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقية. وحتى لو تم التغلّب على هذا العائق، لا تزال فرص إقرار مثل هكذا اتفاقية من مجلس الشيوخ الأمريكى محدودة، وذلك للأسباب التى أوردها أدناه.

منذ تسلّم الرئيس الأمريكى بايدن السلطة، تمثّلت واحدة من أولوياته القليلة حيال الشرق الأوسط فى إبرام اتفاقية سلام بين السعودية وإسرائيل، واعتبرت الولايات المتحدة أن إبرام السعودية لمثل هذه الاتفاقية سيسهم فى خلق جو إيجابى فى المنطقة ريثما تتوافّر الظروف الملائمة لاستئناف مباحثات سلام بين الجانبَين الفلسطينى والإسرائيلى على أساس حل الدولتَين. وما دام الوضع هادئًا بين الجانبَين، فيمكن إبرام مثل هذه الاتفاقية من دون الحاجة إلى إثقالها بشروط ليست إسرائيل مستعدة لقبولها فى هذه المرحلة. وقد زار مسئولون أمريكيون كبار، بمن فيهم وزير الخارجية أنتونى بلينكن ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان السعودية عدة مرات، لكن من دون التوصل إلى اتفاق.

أما السعودية، فإن اهتمامها منصبٌّ بالأساس على انتزاع مكاسب من الولايات المتحدة أكثر من اهتمامها بالتطبيع مع إسرائيل. تتمثّل هذه الطلبات بقبول الولايات المتحدة ببرنامج نووى سلمى سعودى، وأسلحة أمريكية متطورة، وذلك مقابل ابتعاد السعودية عن التعاون العسكرى مع الصين، والأهم اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة تُلزم الأخيرة بالدفاع عن المملكة إذا تعرّضت إلى هجوم خارجى.

قطعت المفاوضات شوطًا لا بأس به حتى أحداث 7 أكتوبر، حين أدرك الجانبان استحالة توقيع اتفاقية فى ظل الظروف الحالية ومن دون تضمينها فقرات تتعلق بتقدّم جدّى على المسار الفلسطينى. لكن رغبة الجانبَين الأمريكى والسعودى فى إبرام اتفاقية بينهما اصطدمت بتعنّت إسرائيلى لا يقبل حتى بالتزام لفظى بحل الدولتَين من دون إقرانه بخطة جادّة لتنفيذه، فما بالك بتقدّم عملى على هذا المسار. فالحكومة الإسرائيلية الحالية أعلنت مرارًا وتكرارًا أنها لن تنسحب من الأراضى العربية المحتلة، بل إنها تجاهر بإجهاض حل الدولتَين أصلًا. لا بل ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى حدّ التصريح مؤخرًا أن القبول بحل الدولتَين هو مكافأةٌ للإرهاب. لقد أصبح واضحًا أن هذا الالتزام الإيديولوجى الإسرائيلى برفض حل الدولتَين أهم للائتلاف الإسرائيلى الحاكم من اتفاقية تطبيعية مع السعودية. أما السعودية، صاحبة المبادرة العربية للسلام والتى شدّدت أن شرط التطبيع مع كافة الدول العربية هو انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضى العربية المحتلة، فإن تراجعها عن هذا الالتزام يبدو صعبًا. يبدو أن السعودية أدركت صعوبة قبول إسرائيل بهذا الالتزام، ولذا فقد انتقلت إلى الخطة «ب» التى تركز فيها على محاولة الوصول إلى اتفاق ثنائى مع الولايات المتحدة من دون الجانب الإسرائيلى، بمعنى عدم تضمين هذا الاتفاق أى بنود تفصيلية وملزمة حول الصراع العربى الإسرائيلى تجنّبًا للتعنّت الإسرائيلى.

• • •

لا تزال هذه المقاربة الجديدة - إن صحّت - محفوفةً بالمخاطر، ذلك أن اتفاقية الدفاع المشترك تحتاج إلى موافقة ثلثَى أعضاء مجلس الشيوخ، أو 67 عضوًا. ثمة الكثير من الأعضاء الديمقراطيين الذين لا يرغبون بالموافقة على الاتفاقية باعتبارهم ينظرون إلى سجل حقوق الإنسان فى السعودية نظرة سلبية، وأن هؤلاء الذين قد يتجاوز عددهم العشرين قد لا يغيّرون موقفهم إلا إن تضمّنت الاتفاقية التزامًا جدّيًا بإحراز تقدّم كبير على المسار الفلسطينى. كما أن عددًا كبيرًا من الأعضاء الجمهوريين لن يروق لهم عدم وجود اتفاقية تطبيعية مع إسرائيل ضمن أى اتفاق مع السعودية، وقد يعارضون الاتفاقية تبعًا لذلك.

فى الماضى، كان الرأى السائد أن إدارة ترامب أفضل للسعودية من إدارة بايدن، وبالتالى قد يكون من الأفضل للسعودية الانتظار للسنة المقبلة، لعلّ ترامب يأتى إلى السلطة مرة أخرى ويقدّم للمملكة شروطًا أفضل. لكن واقع الحال اليوم، خاصة فى ظل حاجة المملكة إلى اتفاقية دفاع مشترك، أن بايدن يستطيع استمالة عددٍ من الأعضاء فى الحزبين الجمهورى والديمقراطى للموافقة على الاتفاقية وإن كان يحتاج إلى جهد كى يحصل على أغلبية الثلثَين، خاصة أن الأعضاء الجمهوريين قد لا يودّون إعطاء هذه «الجائزة» للرئيس بايدن.

أما إن جاء ترامب، فإن فرص استمالته لأى عددٍ كبير من الحزب الديمقراطى ضعيفة للغاية للسبب نفسه. بمعنى آخر، إن فرص حصول السعودية على اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة أفضل بكثير هذا العام مما لو جاء ترامب إلى السلطة العام المقبل. تفصلنا اليوم عن الانتخابات الأمريكية خمسة أشهر، وسيصعب مع مرور الوقت تمرير هذه الاتفاقية فى مجلس الشيوخ الأمريكى قبل نهاية العام. تكبر فرص تمرير الاتفاقية إن أعيد انتخاب بايدن رئيسًا، أما إذا جاء ترامب، فستواجه الاتفاقية أيضًا صعوبات فى مجلس الشيوخ.

• • •

تمرير اتفاقية أمريكية سعودية فى مجلس الشيوخ ليس مستحيلًا، ولكنه ليس بالسهولة التى تحاول الولايات المتحدة تصويرها. إضافةً إلى ذلك، فإن التركيز الأمريكى على توقيع اتفاقية مع السعودية يغفل النظر عن لبّ المشكلة فى الصراع، وهو الاحتلال الإسرائيلى وضرورة بذل جهود حثيثة لإنهائه.

مروان المعشر

وزير خارجية الأردن الأسبق

مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجي

النص الأصلى:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved