هل يمكننا أن نتحدث؟
توماس فريدمان
آخر تحديث:
الخميس 22 يوليه 2010 - 12:55 م
بتوقيت القاهرة
فى السابع من يوليو، فصلت شبكة سى إن إن الإخبارية أوكتافيا نصر، كبيرة محررى شئون الشرق الأوسط لديها، بعد أن نشرت رسالة على موقع تويتر، تقول: «يحزننى سماع نبأ وفاة السيد محمد حسين فضل الله، وهو واحد من أبرز الزعماء الروحيين الشيعة فى لبنان، وقد شارك فى تأسيس ميليشيات حزب الله. ووصفت نصر بأنه «أحد عمالقة حزب الله الذين أكن لهم احتراما كبيرا».
وأرى أن الاستغناء عن نصر أمر مزعج. نعم ارتكبت نصر خطأ. ذلك أنه لا صح أن يقدم المراسلون، الذى يغطون موضوعا التعازى فيما يخص أيا من الفاعلين، الذين تشملهم التغطية، لأن ذلك يقوض مصداقيتهم.
لكننا أيضا نكسب الكثير عندما تكون لدينا امرأة تتحدث العربية ومسيحية لبنانية، تغطى منطقة الشرق الأوسط لـ«سى إن إن» وإذا كانت خطيئتها الوحيدة خلال 20 عاما من العمل هى رسالة من 140 حرفا حول شخصية مركبة مثل فضل الله، فإنها كانت تستحق قدرا من التهاون. فكان يجب إيقافها عن العمل لمدة شهر، لا فصلها. ويمثل قرار الفصل هذا خطأ لعدة أسباب.
بداية، ما هى القضية التى أقحمت نفسها علينا؟ فإذا وضعت الآن فعلا فى غير محله ستجد فى غضون ساعات عصابة رقمية من القتلة تتعقبك. بينما يهرول رؤساؤك من أجل ستر الخطأ. فالصحفى ينبغى أن يفقد وظيفته عند كتابة تقارير مغلوطة أو عدم الأمانة فى النقل عن المصادر أو التلفيق أو سرقة أعمال الآخرين، أو التحيز المنهجى لكن ليس بسبب رسالة مثل هذه.
فما هى الإشارة التى نرسلها إلى الشباب عبر هذا الحدث؟ توخ السلامة، وكن صائبا من الناحية السياسية، لا تقل أى شىء قد يعرضك لهجوم على الإنترنت من جانب فريق أو آخر من الجمهور. وإذا أردت يوما ما وظيفة حكومية أو فى الصحافة القومية أو إذا أردت يوما أن تكون رئيسا لجامعة هارفارد، عليك أن تلعب فى المضمون، وألا تتخذ موقفا فكريا قد يهاجم شخصا ما. ففى عصر جوجل، حيث يكون كل ما تقوله عرضة للبحث دوما، يصبح المستقبل ملكا لأولئك الذين لا يتركون آثارا خلفهم.
ثم تأتى الزاوية المتعلقة بالشرق الأوسط. إذا كنا قد تعلمنا شيئا من تدخلاتنا فى لبنان وأفغانستان والعراق، فهو أن عددا قليلا جدا من الأمريكيين يفهمون تلك المناطق. نحتاج إلى مترجمين عليمين بالاختلافات الطفيفة بين تلك المناطق.
وقد كنت فى بغداد فى أعقاب الغزو الأمريكى، وقابلت هؤلاء الشباب الذين عينهم بوش. وكما أشار راجيف تشاندراسيكاران فى كتابه «حياة إمبراطورية فى مدينة الزمرد»، أن هؤلاء اختيروا لأنهم كانوا موالين لبوش تماما، حتى لو كانوا يجهلون العراق تماما. وقد فاقم جهلهم من فشلنا هناك. وكتب تشاندراسيكاران: «قال اثنان من الذين رغبوا فى الحصول على وظيفة لدى سلطة الاحتلال الأمريكى [فى العراق] إنهما سُئلا عن رأيهما فى قرار المحكمة العليا الأمريكية المؤيد للإجهاض».
وأنا لم ألتق أوكتافيا نصر أو فضل الله قط. ومن الواضح أن فضل الله يكره إسرائيل، ويؤيد الهجمات على الإسرائيليين ويعارض وجود القوات الأمريكية فى العراق ولبنان. لكنه أيضا يعارض دوجمائية حزب الله الخانقة، وطاعته لإيران. كما أنه قد أراد أن يكون شيعة لبنان مستقلين وعصريين، وكسب مريدين فى المنطقة من خلال آرائه الاجتماعية.
وقال أوجستس ريتشارد نورتون، خبير شئون الشيعة فى جامعة بوسطن، عن فضل الله الذى كان يعرفه: «لقد قال إن النساء يجب أن يتساوين مع الرجال فى الفرص وأن يحظين بتعليم جيد. بل إنه رأى أن المرأة من حقها الرد بالضرب إذا ضربها زوجها، لأنه ليس من اللائق أن تتعرض الزوجات للضرب من جانب الأزواج. ولم يكن يخشى الحديث عن الجنس.
بل إنه ألقى خطبة فى المسجد حول الدوافع الجنسية. وكان شائعا أن تجد شبابا يتابعون كتاباته فى مختلف أرجاء المنطقة». والحقيقة، أن نصر إن تعليقها على تويتر يرجع إلى أن فضل الله «اتخذ موقفا مغايرا وطليعيّا بين رجال الدين الشيعة، فيما يخص حقوق المرأة».
وأشار مايكل توماسكى، مدير تحرير «الديمقراطية: مجلة الأفكار» إلى مقال كتبته الصحفية الشيعية الليبرالية العلمانية اللبنانية حنين غدار ــ على موقع «لبنان الآن» تتذكر فيه كيف تدخل فضل الله لدى والدها المحافظ، كى يسمح لها بالعيش وحدها فى بيروت، قائلا لأبيها فى خطاب إنه «ليس لديه الحق فى أن يقول لى ما أفعل، لأننى امرأة مستقلة وعاقلة ورشيدة».
وقالت غدار إنها أصحبت تدرك أن الشخصيات، التى تشبه فضل الله بوسعها وحدها تغيير الوضع الراهن. ذلك أنه نادرا ما يلقى من يضعون أنفسهم فى موقف المناهضين لحزب الله أو الناقدين للمقاومة أو الملحدين آذانا صاغية داخل المجتمع الشيعى، لأن الناس لن يستمعوا إلى هؤلاء.. ومن ناحية أخرى، يمكن لفضل الله التواصل مع الناس لأنه كان واحدا منهم.. ويمكن لأمثاله أن يأتوا بالتغيير الحقيقى إذا جرى دعمهم. وهو واحد من القليلين الذين كانت تخشاهم القيادة الإيرانية وحزب الله.. لأن الناس كانوا يحبونه ويحترمونه.
وبالطبع لم يكن فضل الله فقط من المنشغلين بالقضايا الاجتماعية، حيث كانت لديه بعض الجوانب المظلمة. وقد أخبرنى العاملون فى الـ«سى إن إن» أن نصر كانت تعرف كلا الجانبين فيه. لكننى أعرف مايلى: يجب أن يتغير الشرق الأوسط كى يزدهر، ويجب أن يأتى هذا التغيير من الداخل، من وكلاء التغيير الذين ينظر إليهم باعتبارهم ذوا شرعية وارتباط عميق بثقافتهم. وربما لا يكون هؤلاء محبوبين من جانب الولايات المتحدة. لكننا علينا أن نعرف عنهم، ونفهم أين تلتقى مصالحنا معهم لا أن نقوم فقط بتشويه سمعتهم جميعا.
لذلك أفضل أن أعرف الأخبار من مراسل للسى إن إن يمكنه بالفعل أن يفسر لماذا يندب آلاف الرجال والنساء رجل دين شيعيّا مسنا ــ لا نعتبره نحن أكثر من مجرد إرهابى عن أن أحصل على أخبارى من مراسل لا يعرف شيئا على الإطلاق أو لا يجرؤ على الاعتراف بذلك وهو الأمر الأسوأ.