عن دور النظام السياسى فى ضعف الدبلوماسية المصرية

ياسمين فاروق
ياسمين فاروق

آخر تحديث: الخميس 22 يوليه 2010 - 6:18 م بتوقيت القاهرة

منذ أن تفجرت أزمة اتفاق دول حوض النيل الذى همش مصر، كتب كثيرون عن تراجع الدبلوماسية المصرية، وكانوا على حق. ويرجع الإخفاق فى هذا الملف إلى عدة عوامل تأتى فى صدارتها مسألة طغيان النظرة الأمنية على علاقات مصر بدول حوض النيل وتراجع دور الخارجية المصرية فى مرحلة اتخاذ القرار فى السياسة الخارجية.

فمنذ سنوات عديدة لم يعد يهتم متخذو القرار فى السياسة الخارجية المصرية بتنمية العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياسية مع أفريقيا. وكان يجب أن ينتبه المسئولون عن السياسة الخارجية المصرية إلى الخلل فى العلاقات مع الجوار الأفريقى منذ أن رفضت دول الكوميسا عضوية مصر فى بدايتها قبل أن تعود وتوافق عليها، ومرة أخرى عندما رفضت بعض الدول الأفريقية أن تحتل مصر الكرسى الأفريقى فى إطار مشروع إصلاح مجلس الأمن فى عام 2005.

وفى نفس الوقت تعالت أصوات سمراء تؤكد أن مصر بلد عربى وليس أفريقيا ونما التيار، الذى يدعم وجود اختلافات جوهرية بين الهويتين، وكأن على مصر الاختيار بينهما.

ورغم هذا لم يطرأ على دبلوماسية مصر تجاه أفريقيا تغيير نحو تحسين العلاقات أو تطويرها. ففى الوقت، الذى تتهافت فيه الصين والولايات المتحدة على أفريقيا لأسباب اقتصادية وإستراتيجية.

ظل صاحب القرار المصرى يرى أن الدول الأفريقية تنتمى إلى الدول قليلة الأهمية بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية، مؤكدا بهذا الموقف أن العلاقات المصرية ــ الأفريقية لا ترقى إلى مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا ولا إلى مستوى العلاقات مع الدول العربية، وأن تعيين أى دبلوماسى مصرى فى أى دولة أفريقية قد يعتبره بمثابة «العقاب». وتبقى أفضل عناصر الدبلوماسية مخصصة لمواقع بعيدة عن الجوار الأفريقى لمصر.

من ناحية أخرى تطغى النظرة الأمنية على العلاقات مع دول حوض النيل وغيرها من دول الجوار الأفريقية، وتطغى النظرة إلى هذه الدول على أنها مصدر تهديد محتمل للأمن القومى المصرى لا على أساس أنها أرض خصبة لتعاون قد ينتج حلفاء وداعمين للسياسة الخارجية المصرية على المستوى الإقليمى والدولى إلى جانب حماية أمن مصر الإقليمى.

ومع ذلك لا يجب إلقاء كل اللوم على جهاز السياسة الخارجية المصرية لأن الدول الأفريقية لديها هى الأخرى تفضيلاتها السياسية، التى قد تكون وراء عدم ترحيبها بدور مصرى فى المجال الأفريقى.

لكن اهتمامنا هنا ينصب على الجانب المصرى، إذ نعتقد أن وراء تدهور الدبلوماسية المصرية فى أفريقيا غياب رؤية شاملة فى مجال السياسة الخارجية بشكل عام.

فالسياسة الخارجية المصرية سياسة تخلت عن الأيديولوجية منذ عدة سنوات. ولهذا الوضع جوانبه السلبية والإيجابية. فمن ناحية، حيثما لا توجد أيديولوجيا لا تندفع بالدولة إلى معاداة أى دولة أو فاعل دولى آخر بناء على أفكار أو معتقدات راسخة. كما أن مصر تحديدا ليست لديها حلفاء حتميين على نفس هذا الأساس. ولذلك تتمتع الدبلوماسية المصرية بقدر لا بأس به من المرونة والواقعية مقارنة بالسياسات الخارجية لدول أخرى مثل إيران أو كوبا أو كوريا الشمالية

ولكن، من ناحية أخرى، تكمن المشكلة فى أن غياب الأيديولوجيا ارتبط فى مصر بغياب المشروع والرؤية والهدف فى مجال السياسة الخارجية حتى أصبحت الدبلوماسية المصرية أداة للعيش فى سلام ليس أكثر. وأصبح الهدف الأول والأخير لهذه الدبلوماسية هو دعم الاستقرار ــ وفى حالتنا يعنى «الركود» ــ السياسى على المستوى الداخلى وله الأولوية القصوى بلا منازع بالنسبة لجميع أجهزة الدولة.

وأصبح نشاط الفاعلين فى السياسة الخارجية ينصب على إنتاج ردود أفعال وليس مبادرات. وترتب على ذلك أيضا أن أصبح الحفاظ على علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أمورا حيوية بالنسبة لأمن النظام وكذلك أيضا للأمن القومى حسب تصور النظام له. ولإرضاء الرأى العام الداخلى، استمرت الدبلوماسية المصرية فى الحفاظ على علاقات مستقرة مع غالبية الدول العربية.

ولكن أصبحت العلاقات مع الدول العربية أيضا تطغى عليها النظرة الأمنية مثلها فى ذلك مثل دول الجوار الأفريقى. واختارت مصر أن يحل التعاون الأمنى وأنشطة أجهزة الاستخبارات محل التيارات البشرية والثقافية والدبلوماسية، التى كانت قلب العلاقات المصرية العربية والمصرية الأفريقية فى وقت من الأوقات.

كما اختارت القيادة المصرية معاداة كل ما من شأنه أن يغير أو ينذر بتغيير النظام السائد فى المنطقة، والذى يخدم استقرار النظام السياسى فى الداخل.

المشكلة الحقيقية هنا هى أن سيطرة النظرة الأمنية على السياسة الخارجية المصرية ما هى إلا انعكاس لسيطرة النظرة الأمنية على سياسيات الدولة فى مصر سواء كانت سياسات خارجية أو داخلية. وما زلنا فى مصر لا نفهم أن انقضاض الأمن على الحياة السياسية داخل مصر ينعكس فى ضعف فاعلية الدبلوماسية المصرية فى الخارج.

فلابد أن نفهم أن «تأمين» الحياة السياسية داخل مصر يعكس ضعف شرعية النظام وينعكس على صورة مصر الخارجية وبريقها الدبلوماسى وعلى قدرتها على التأثير إقليميا. فلدى ولدى الكثيرين الانطباع أن صناع القرار فى مصر مازالوا لا يدركون أن الفضائيات والإنترنت أضعفت قيمة الحدود بين الداخل والخارج.

ولدينا أيضا الانطباع أنه طالما كان منطق أن النظام الذى يقمع الشعب فى الداخل هو نفس الذى «يمثله» فى الخارج بالتالى سوف تظل هيبة مصر ووزنها الدبلوماسى فى انحدار وستظل الدبلوماسية المصرية تفتقد لأى رؤية أو مشروع إقليمى أو دولى يجرى توظيف الدبلوماسية المصرية فى إطاره.

وقد قرأنا لمن يقول أن ذلك لا ينطبق على مصر فحسب بل على سوريا والسعودية وغيرها من الدول العربية. إلا أن الفارق الأساسى بين الحالة المصرية والحالات الأخرى يظهر فى أن السياسة الخارجية لكل من سوريا والسعودية يتم توظيفها فى إطار رؤية للدور والمركز الإقليمى الذى تتوخى تحقيقه كل من الدولتين فى المنطقة والعالم. كما أنه ما يزال لكل منهما أصول ومقومات تتكئ عليها فى كل مرة تتراجع فيها قوة دبلوماسيتها أو تفقد «هيبتها» فى المفاوضات مع الدول الأخرى بسبب طبيعة نظامها الداخلى.

وإذا كانت دولة مثل السعودية تتكئ على ثروتها النفطية وشعاعها الإسلاماوى ودولة مثل سوريا تتكئ على شعبية وشرعية طروحاتها العروبية ودعمها لحركات المقاومة ضد إسرائيل.. فعلى ماذا تتكئ مصر؟ هل تتكئ على حضارتها الفرعونية وقوتها الإقليمية؟ بعد أن استنزفت الأولى وفرغت الثانية من مضمونها؟


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved