حبس انفرادى
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 22 يوليه 2016 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
ربما هى شهادات الضحايا التى تتناقلها شبكات التواصل الاجتماعى، ربما هى الملاحظات الصادمة التى يعود بها ذوو الضحايا بعد الزيارة وراء الأسوار، ربما هى روايات الأصدقاء عن أحوال بعض من اشتركوا معهم فى الاحتجاج السلمى وانتهى بهم الحال إلى حرية مسلوبة واتهامات معدة سلفا ومصير غير معلوم.
تعددت وجوه الضحايا من المحامى عصام سلطان إلى المحامى مالك عدلى، من أحمد ماهر إلى علاء عبدالفتاح وغيرهم ممن سلبت حريتهم بفعل قانون جائر، من الصحفى هشام جعفر إلى الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا اللذين يتواصل تجديد حبسهم الاحتياطى دون اقتراب لتغيير أو نهاية، من أحمد ناجى إلى إسلام البحيرى وآخرين من القابعين وراء الأسوار لتمسكهم بحرية الإبداع وحرية الفكر وحرية التعبير عن الرأى.
تعددت الوجوه، وتواترت الشهادات الشخصية والروايات المتناقلة عن تعرض بعضهم للحبس الانفرادى ولانتهاكات أخرى لحقوقهم الأساسية ولكرامتهم الإنسانية ولصنوف من المعاملة غير اللائقة من التريض الممنوع إلى الدواء الغائب. تعددت وجوه الضحايا من أصحاب الأسماء المعلومة للرأى العام، واستطالت أيضا القوائم التى تحمل أسماء لضحايا غير معروفين سوى لذويهم وللمنظمات الحقوقية التى توثق معاناتهم داخل السجون وترصد توسع الأجهزة الأمنية فى استخدام الحبس الانفرادى كأداة عقابية ضد بعض من ساقتهم السياسة أو ساقهم الاحتجاج السلمى إلى سجون جمهورية الخوف.
***
تنوعت الأسباب التى دفعتنى للقراءة عن الحبس الانفرادى، عن المعاناة النفسية والجسدية التى يلحقها بالضحايا، عن ارتباطه الوثيق شأنه شأن جرائم التعذيب بطبيعة السلطوية المصرية واليد القمعية التى تطلقها على المواطن والمجتمع لنشر الخوف وفرض الصمت. الحبس الانفرادى هو عقاب كسر إرادة الأحرار وإذلال المعارضين السلميين الذين يواجهون القمع بهتاف الحناجر، والظلم بالالتجاء إلى القضاء احتراما لسيادة القانون التى تعصف بها السلطوية، وحجب الرأى الآخر بالتمسك باستقلالية الكلمة ورفض استتباعها لحاكم أو حكومة أو مصالح اقتصادية ومالية وإعلامية متحالفة معه.
لتعرض ضحايا القمع والظلم والانتهاكات فى مصر لعقاب الحبس الانفرادى سوابق قديمة وحديثة. ووثقت شهادات شخصية ومعالجات أدبية وكتابات لمؤرخين لإمعان الأجهزة الأمنية فى كسر إرادة المعارضين من خلال إلحاق الحبس الانفرادى بصنوف أخرى من الانتهاكات والتعسف. ولم يفلح أبدا انضمام مصر إلى العهود الدولية لحقوق الإنسان فى الحد من تورط الحكومات المتعاقبة فى التوظيف العقابى للحبس الانفرادى، علما بأن العهود الدولية تقصره على المجرمين شديدى الخطورة الذين يخشى منهم جسديا ونفسيا على غيرهم.
أدرك فداحة أوضاع حقوق الإنسان خلال السنوات الثلاث الماضية، وكارثية العديد من الجرائم التى تراكمت منذ ٢٠١٣ من القتل خارج القانون والتعذيب إلى الاختفاء القسرى. أدرك أيضا مقدار العمل الشاق الذى يضطلع به المدافعون عن الحقوق والحريات وهم يلهثون وراء تجديد مستمر للحبس الاحتياطى وإجراءات تقاضى ترد عليها علامات استفهام مختلفة ومختفين لم يستدل بعد على أماكن احتجازهم وضحايا تعذيب منهم من فقد حياته بسبب وحشية الجلاد. أدرك كل ذلك جيدا، ويوما ما سيلقى المدافعون عن العدل ورفع الظلم وإيقاف الانتهاكات العرفان المجتمعى الذى يستحقه عملهم الشاق.
غير أن فداحة الأوضاع وكارثية الجرائم لا تبرران تجاهل انتهاكات كالحبس الانفرادى أو الصنوف الأخرى لإنزال العقاب وكسر الإرادة. فعتمة الزنازين لها من القسوة ما يبرر رفع الصوت تنديدا بها، شأنها شأن عزل بعض المسلوبة حريتهم عن غيرهم من القابعين وراء الأسوار بمنعهم من النشاط الجماعى وشأنها شأن عزلهم عن ذويهم بإلغاء الزيارات المقررة قانونا لذويهم وقطع سبل تواصلهم مع العالم الخارجى.
***
ليست أهمية الانتصار لحقوق وحريات وكرامة القابعين وراء الأسوار بأقل من المقاومة الشاقة لكل الممارسات والإجراءات القمعية التى تتسبب فى سجن أعداد كبيرة من المصريات والمصريين أو من الجهد الشاق المبذول فى الاشتباك مع نظم التقاضى لانتزاع ولو شىء من العدل ورفع الظلم.