ومن الوشم.. ما قتل!
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 22 يوليه 2022 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
لفت نظرى فى حديث تليفزيونى لممثلة مصرية معروفة أنها قد وشمت ذراعيها من أعلى بصورة لورود وفراشة وحينما سألتها المذيعة عن الوشم ابتسمت وأضافت من طرف خفى إلى أنها تملك وشوما أخرى على جسدها فى أماكن غير ظاهرة!
أصابنى الوجوم فالممثلة بالفعل موهوبة ذات شخصية حاضرة فما بالها تهتم بظاهرة يعزوها علم النفس إلى انعدام الثقة وفقدان الأمان والفراغ القاتل ويأتى ذكرها مرتبطة بعدد من الاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية.
ليس لى بالطبع أن أوجه إليها أى إشارة أو تعليق فتلك حرية شخصية لا يملك أحد التدخل فيها لكنها بالفعل ظاهرة استشرت ونراها الآن فى صور مختلفة منها البرىء البسيط إلى الذى قد يحتل ساحات كبيرة من جلد الشباب بغرض الظهور والتظاهر خاصة لدى شباب الفنانين والرياضيين الذكور ومن يتبعهم. من خلال تلك الممارسات يعبرون عن ذواتهم أو يبوحون بمكنونات يخشون الحديث عنها أو لإظهار مواقف واتجاهات شخصية يؤيدها هذا الوشم الذى يبدو جليا فى العلن دونما الحاجة للحديث عنه.
لجأت الشعوب القديمة إلى الوشم كتعويذة ضد الموت والأرواح الشريرة وللحماية من أعمال السحر. وكان أول ما عرفت مصر من أعمال الوشم تلك التى ظهرت على موميات فى نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد منها مومياء أمونيت فى مصر القديمة.
واستخدم العرب أيضا الوشم للزينة والتجميل. ويحضرنى ما قاله الشاعر طرفة بن العبد: لخوله أطلال ببرقة تهمد... تلوح كبار فى الوشم فى ظاهر اليد.
يعتمد الوشم على إدخال مكونات ملونة فى الطبقة العميقة من الجلد بحيث لا يستطيع الجسم الخلاص منها. ينفذ الوشم بوسيلتين الأولى بأدوات ثاقبة للجلد مثل الإبر والسكاكين الرفيعة للغاية أو مسدس الوشم، أما الثانية فتعتمد على استخدام ملونات ومساحيق مختلفة مثل الكحل والفحم وخلاصات نباتية ملونة.
انتفت المعتقدات الاجتماعية التى وشم من أجلها القدماء أجسادهم لكن بقيت ربما الرغبة فى الإعلان عن الذات أو التجميل بصورة أو بأخرى لكن الأمر فى الواقع لا يخلو من خطورة حقيقية أحببت اليوم أن أنبه إليها بالطبع، أنبه أولئك الذين لا يعانون من انحرافات سلوكية أو اضطرابات نفسية بل أصحاب النفوس السوية الذين يرون فى الوشم مظهرا جماليا، بينما الواقع أنه لا يخلو من خطر يبدو كمستصغر الشرر الذى سرعان ما يصير نارا يشتد أوارها، تظهر أخطار الوشم فى صور عديدة منها الحاد الذى يبدأ مع بداية أعمال الوشم، ومنها أيضا الذى يظهر متأخرا بعد مرور أيام وربما شهور:
< اضطرابات جلدية موضعية تبدأ بالاحمرار ثم الألم والتورم وربما تقرحات تغزوها الميكروبات.
< من أخطر مضاعفات الوشم الأمراض التى تنتقل بالوشم عند استخدام أدوات وخز ملوثة بأحد أمراض الدم المعدية مثل التهاب الكبدى الوبائى والسل والإيدز والزهرى.
وفقا لتقارير الصحة العالمية فإن الوشم كان أحد الأسباب واسعة الانتشار للإصابة بإلتهاب الكبد نتيجة للإصابة بفيروس (سى). بعد الوشم قد يظل الفيروس كامنا لسنوات ثم فجأة تلتهب أنسجة الكبد بنشاطه المفاجئ.
< الحساسية كرد فعل الجسم تجاه الأصباغ المستعملة. أما قد تحدث فورا بعد إتمام العمل أو تنفجر فجأة بعد سنوات نتيجة للتعرض للأشعة فوق البنفسجية.
< التسمم أيضا نتيجة لاستخدام أحبار سامة فى عملية الوشم ففى اللون الأحمر على سبيل المثال توجد عناصر متعددة منها الألومنيوم والحديد والتيتان والسيليكون والزئبق، كل منها سام فى حد ذاته فى أشكال مختلفة بل وخطورة أن ينشأ تفاعل سرطانى.
الواقع أن أهم ما يمكن أن ينسب إلى الوشم من أخطار هو تأثيره على الحالة النفسية التى قد تلازم الإنسان بعد أن يمهر جلده بتلك الوشوم التى وإن فعلها بإرادته فإنه سيظل أسيرا لها مدى حياته ولن يجدى إلا الليزر فى محوها بصعوبة شديدة ومضاعفات قد تبدو أكثر خطورة وأنكى أثرا.
قد يبدو الأمر فى وقت الشباب محاولة لإثبات الذات أو تخليدا لمشاعر تجاه شخص شغف من الإنسان، لكن الأمر يتحول مع الزمن الذى سيتغير بينما يظل الوشم على حاله فيبدو كما لو كان عبئا اجتماعيا يؤخذ على الإنسان ليخجل منه أو يجعل المحيطين به يطلقون عليه أحكاما سلبية تؤثر فى النظرة إليه إذا تعلق الأمر كعمل أو وظيفة أو ربما ارتباط، فالمجتمع دونما شك ينظر إليهم كما لو كانوا فى منزلة أقل.
دارت تلك الخواطر برأس فكتبتها علها ــ إن شاء الله ــ تصل إلى كل صاحب أو صاحبة عقل يرى فى الوشم تميزا بينما فى الواقع هو تمييز يضع صاحبه فى خانة اجتماعية تعزله عن العالم السوى.