حبة القمح أكبر من جمال والبرادعى
وائل قنديل
آخر تحديث:
الأحد 22 أغسطس 2010 - 10:10 ص
بتوقيت القاهرة
الحكومة التى لا تستطيع زراعة غيطانها بالقمح، وتمنع أسراب الحمام من التحليق فى سمائها لتحط على أجران الغلة، هذه الحكومة ليس من حقها أن تتحدث عن نفسها باعتبارها حكومة دولة ذات سيادة.
والوطن الذى يمنحه الله الأرض والمياه والفلاح الكفء، وبعد كل ذلك لا يأكل من زرع يديه هو وطن مجفف ومعلب لا روح فيه.
منذ حرائق روسيا وتوقف واردات القمح منها وحديث وزرائنا ومسئولينا لا يخرج عن تصريحات مضحكة عن تدبير كم طن من أمريكا أو بضعة أجولة من فرنسا، ولم ينبس أحدهم ببنت شفة عن التفكير فى حلول محترمة تبدأ بتشجيع زراعة القمح فى بلادنا التى كانت خضراء ثم أصبحت صفراء فاقع لونها بفعل سياسات مسئولين يكرهون حبة القمح، ويمقتون حبة عرق الجبين ويعبدون الاستيراد ومد الأيدى إلى الأمريكان بكل ما نملك لقاء قمح لا نجرؤ على زراعته.
وبعد كل ذلك لا يتورعون عن ترديد كلام كبير وفخم عن رفضهم القاطع للتدخلات الغربية والأمريكية فيما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان والإصلاح السياسى.. هنا فقط ينتفضون دفاعا عن السيادة.. فإذا كانوا يبدون أحرارا أبناء أحرار فى هذه الملفات فلماذا لا يكونون أحرارا فى موضوع القمح؟
لماذا لا يجربون أن يفعلوا كما فعلت السعودية، هذه الصحراء القاحلة الممتدة، والتى اتخذت قرارا بتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح ففعلت وصدرت لمصر ولدول أخرى على الرغم من أن ثمن الزراعة كان باهظا وأفدح كثيرا من كلفة الاستيراد؟
وفقا لرواية وزير زراعة مصر السابق أحمد الليثى نقلا عن مسئول سعودى فقد فعلتها الرياض وتحملت الثمن الكبير لكى توصل رسالة سياسية لواشنطن مفادها أنها تستطيع أن تستغنى عن قمح أمريكا لو أرادت ومتى شاءت وقد وصلت الرسالة كاملة وواضحة.
قد يرد أحدهم بأن السعودية أهم حليف عربى للأمريكان وأن القواعد العسكرية الأمريكية أصبحت جزءا من جغرافيا السعودية.. وقد يضيف آخر أن لدى السعودية أوراق ضغط تتمثل فى امتلاك ثلث احتياطى النفط فى العالم، والسؤال هنا ولماذا لا تمتلك مصر أوراق ضغط أو بالأحرى لماذا أهدرت ما كان لديها من أوراق؟
وبعيدا عن الأسئلة التى قد يراها بعضهم عبثية هناك سؤال ملح وواجب:
ماذا نحن فاعلون أمام الأزمة؟
أظن أن على القوى الوطنية والمجتمع المدنى المصرى الكف عن الاستسلام لمهرجان الدجل والعبث المنصوب بامتداد خريطة مصر حاليا وأعنى الحديث الماسخ والأجوف فى عدد توقيعات البرادعى أو رقم تفويضات جمال مبارك.
أوقفوا هذه المهزلة السخيفة ولتحتشد القوى الوطنية والمثقفين والعلماء فى حملة قومية تضغط بكل ما توفر من وسائل لدفع الحكومة إلى تبنى مشروع وطنى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح.
وأتصور أن هذه هى قضية مصر الأولى الآن ومن يحب هذا البلد فليساهم فى إضافة ولو شبرا واحدا لمساحته من الأراضى المزروعة، ويفعل شيئا لكى تنبت كل صباح سنبلة قمح جديدة، هذا أجدى وأبقى من استهلاك الأذهان والوجدان فى لغو البرادعى والوريث.
وأزعم أن من يريد أن يفعل شيئا لن يتطلب منه الأمر أن يبحث عن بدايات، فالبدايات معروفة ومعالم الطريق محددة، ولكم فيما قدمته الشهيدة الحية للقمح العظيمة سكينة فؤاد أسوة حسنة، وقد عرضت ما يرقى ليكون برنامجا وطنيا لزراعة القمح فى حوارها مع جابر القرموطى فى برنامج مانشيت يوم الخميس الماضى، وأمامكم سلسلة التحقيقات الخالدة التى أجراها أستاذنا الكبير جمال الشرقاوى فى جريدة الأخبار على مدى ربع قرن وفيها ما يصلح ليكون منهج عمل.
وليت السفير المثقف إبراهيم يسرى قائد الحملة النبيلة ضد تصدير الغاز لإسرائيل يؤسس لحملة جديدة تحمل شعار «لا لنكسة القمح» وليشارك كل من يحلم برغيف خبز ممزوج بعرق الفلاح المصرى.. ومن يحن إلى مشهد أسراب الحمام تحط على تلال القمح وتملأ السماء بهجة بدلا من تركها للغربان وخفافيش الاستيراد.