معركة البويب (1-2)

محمد سليم العوا
محمد سليم العوا

آخر تحديث: الأحد 22 أغسطس 2010 - 9:39 ص بتوقيت القاهرة

 البويب موضع قريب من الكوفة به مصبُّ نهر صغير، هو قناة تصريف لنهر الفرات، يصب أيام فيضانه فى منطقة الجوف. وفى هذا الموضع، فى رمضان سنة 13هـ، وقعت موقعة (البويب) التى يصفها بعض المؤرخين بأنها أول يوم انتصف فيه المسلمون من الفرس. فقد كانت الحرب بين المسلمين والفرس حربا طويلة ممتدة.

وفى مرحلة من مراحل تربص كل من الفريقين بالآخر، واستعداده لمواجهته، توافت الأمداد التى بعثها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى المثنى بن حارثة، قائد جيوش المسلمين، إلى البويب. وعلم الفرس بكثرة جموع المسلمين فأعدوا جيشا، قوامه الفرسان، يقوده مِهْران بن باذان الهمذانى (وقد كان نشأ مع أبيه فى اليمن، إذ كان عاملا لكسرى هناك، وكان يجيد العربية).

وتحرك مهران بجيشه من المدائن متجها إلى الحيرة، ووصل خبر هذا التحرك إلى المثنى بن حارثة وهو بموضع يقال له (مرج السباخ) بين القادسية وخَفَّان. فقدَّر المثنى أنَّ زحف الفرسان سيكون سريعا، فخرج من فوره يريد البويب؛ وكتب إلى جرير بن عبدالله البجلى الذى كان على رأس مدد كبير آت من المدينة: «إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجلوا اللحاق بنا وموعدكم البويب».

وصدق حَدْسُ المثنى، إذ وجد بحذائه من وراء الفرات مِهران بن باذان وجيشه، وكان جيش المثنى مكونا من ثمانية آلاف فارس وراجل، كلهم لم يقاتلوا الفرس من قبل، وفيهم من كان قد ارتد عن الإسلام ثم ندم وتاب وحسن إسلامه، فجاء مدفوعا بالرغبة فى التقرب إلى الله والتكفير عن ردته، كأن الواحد منهم كان يقول لنفسه: لئن كنت قاتلت دين الله قبل عامين فلا أقل من أن أنصره اليوم. وكذلك تفعل التوبة الصادقة فى ذوى المعادن الأصيلة من الناس.

ونظر المثنى إلى الضفة الأخرى من الفرات حيث مِهرانُ وعسكره، وسأل رجلا من أهل العراق ما يقال للرقعة التى فيها مهران وعسكره فقال (بسوسيا) فقال المثنى: هَلَكَ مِهران نزل منزلا هو البسوس (وهى امرأة من العرب هاجت بسببها الحرب أربعين سنة فى الجاهلية بين حيين من العرب فضُرِبَ بها المثل فى الشؤم، فقيل: أشأم من البسوس!).

وأقام المثنى بجيشه ممتثلا لأمر كان عمر قد أمره به: ألا يعبر المسلمون بحرا ولا جسرا إلا بعد نصر. وأكد عنده وجوب امتثال هذا الأمر أنه قد كانت للمسلمين غلطة، قبل شهر واحد من معركة البويب، كلفتهم الكثير، تلك هى معركة الجسر، التى كانت فى شعبان سنة 13هـ، وهزم فيها المسلمون هزيمة غير جميلة لأنهم تعجلوا عبور الجسر، فى منطقة تسمى المروحة، فأحدق بهم الفرس وهزموهم هزيمة منكرة.

ولما طال مقام الفريقين كتب مِهرانُ إلى المثنى: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم. فرد عليه المثنى «بل اعبروا» فعبر الفُرسُ ومعهم ثلاثة أفيال؛ وقام المثنى خطيبا فى جيشه فقال لهم: «إنكم صُوّام وإن الصوم مُرِقَّةٌ مُضْعِفَةٌ (أى لا يجعل فى الصائم جلدا على الحرب) وإنى أرى أن تفطروا ثم تَقْوَوا بالطعام على قتال عدوكم». فأفطروا، فأخذ يمر على الصفوف ويسويها كصفوف الصلاة، ويحفز المسلمين على القتال، ويحضهم على الثبات أمام العدو، ويذكرهم الدار الآخرة ونعيم الجنة.

وامتطى المثنى بن حارثة فرسه المعروف باسم (الشموس) وهو فرس مشهور كان لا يركبه إلا للقتال، فوقف على جموع المسلمين، جمعا جمعا، يقول لكل منهم: إنى لأرجو ألا تؤتى العرب اليوم من قبلكم. والله ما يسرنى اليوم لنفسى شىء إلا وهو يسرنى لعامتكم. فيجيبونه بمثل ذلك. وأنصفهم فى القول والفعل، وشاركهم فى المكروه والمحبوب، فلم يستطع أحد أن يعيب له قولا ولا عملا ورضىَ الجمع كله قيادته، وأثنى القريب والبعيد على سياسته.

وغدا نستكمل إن شاء الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved