نحن وإسرائيل
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الإثنين 22 أغسطس 2011 - 8:40 ص
بتوقيت القاهرة
التوتر الذى أحدثه هجوم مقاتلين فلسطينيين على حافلتين وعربة تابعة للجيش الإسرائيلى يواجهنا جميعا نحن المصريين بأسئلة يتعين علينا أن نفكر فيها بعمق، ونخرج منها بدروس تفيدنا ليس فى دعم تطورنا السياسى والاقتصادى فحسب ، ولكن أيضا فى تحسين شروط مواجهتنا للعدو الإسرائيلى. لا شك أن هذه المواجهة بين المقاتلين الفلسطينيين هى دليل آخر على فشل العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية والتى تذهب إلى أن استخدام ما يسمى بالانتقام الكثيف على نحو ما جرى فى جنوب لبنان فى سنة ٢٠٠٦ وفى غزة فى سنة ٢٠٠٩ كفيل بإقناع العرب بأنه لا سبيل أمامهم لمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، وأن أفضل الخيارات أمامهم هو الاستسلام لما تمليه عليهم إسرائيل. لم يستسلم حزب الله لمطالب إسرائيل بنزع سلاحه، ولم تقبل حكومة حماس التخلى عن مبدأ المقاومة المسلحة، ولا الاتفاقيات المعقودة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيونى، ولم تقبل الدخول معه فى مفاوضات بشروطه هو، وها هى المقاومة الفلسطينية تنقل المواجهة إلى جنوب إسرائيل من حيث لا تتوقع قيادتها العسكرية ولا حكومتها، ومن ثم لم تجد أمامها سوى توجيه اللوم إلى مصر بدعوى أن حكومتها لا تفرض السيطرة على سيناء التى تزعم أن المقاتلين الفلسطينيين اخترقوها من غزة فى طريقهم إلى جانب إسرائيل، وبالإضافة إلى ذلك قامت قواتها باغتيال خمسة من رجال الأمن المصريين الذين يحرسون الحدود، وذلك استمرارا لنمط فى السلوك تعودته مع النظام السابق، ولا ينبغى أن نسمح له بأن يستمر. فما هى الخيارات المتاحة لنا كشعب
ودولة فى مواجهة هذا الموقف؟
ما الذى يجب أن نتجنبه؟
هناك اختيارات قد يطرحها البعض تحت تأثير الانفعال بما جرى يجب ألا نستسلم لها مطلقاً. سوف يدعو البعض إلى إغلاق معبر رفح، ووقف أى تسهيلات قدمتها الحكومة المصرية للفلسطينيين فى غزة بعد ثورة يناير، بل ووقف جهود المصالحة التى تقودها الحكومة المصرية والمخابرات العامة مع جناحى السلطة الفلسطينية فى رام الله وغزة، سوف يكون ذلك موقفا خاطئا لأنه بمثابة عقاب الضحية بدلا من تحميل المعتدى ثمن جريمته. المعتدى هنا هو إسرائيل التى اغتصبت التراب الفلسطينى، وتستمر فى التهام ما بقى منه فى الضفة الغربية ببنائها للمستوطنات والطرق الرئيسية والالتفافية، وإنكارها الكامل لحق الشعب الفلسطينى فى ممارسة حقه المشروع فى تقرير المصير، وليست المقاومة الفلسطينية سوى الرد الطبيعى والضرورى على استمرار الاحتلال، طالما أنه ليس هناك سبيل آخر لاسترداد الحقوق الفلسطينية المشروعة بعد أن جردتها السلطات الإسرائيلية من أى قيمة باستمرارها فى بناء المستوطنات. والرد الثانى الذى يجب علينا تجنبه هو الاستسلام للدعاوى التى تطالب بإسقاط المعاهدات التى تربطنا بإسرائيل فى الوقت الحاضر والاستعداد للدخول فى مواجهة مسلحة معها. إن إسقاط هذه المعاهدات غير المتكافئة هو مطلب مشروع، ولكنه يمكن أن يتخذ فقط إذا كنا على يقين من أن قواتنا المسلحة والأوضاع الدولية تسمح لنا بكسب هذه المواجهة مع إسرائيل، فلا يجب استبعاد أن تحاول إسرائيل إعادة احتلال سيناء ردا على إسقاط المعاهدات، ولا أتصور أن إمكانات الانتصار العسكرى على إسرائيل فى حرب شاملة تتوافر لنا فى الوقت الحاضر.
ما الذى يمكننا عمله؟
حسنا فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمطالبة إسرائيل بإجراء تحقيق فى ظروف مقتل الشهداء المصريين، ولا يجب التوقف عند مطلب التحقيق، وإنما يجب أن يعقب ذلك ــــ سواء أجرت السلطات الإسرائيلية هذا التحقيق أو لم تجره ــــ التشديد على ضرورة اعتذار إسرائيل عن الجريمة التى ارتكبتها قواتها باغتيال أفراد الأمن المصريين، ومعاقبة من قام بذلك، وهنا لا يجب أن ننتظر التحقيق الذى تجريه السلطات الإسرائيلية، وإنما نشير إلى ما يمكن أن نتخذه من خطوات أخرى إن لم تعتذر إسرائيل عن هذه الجريمة، وهو تخفيض التمثيل الدبلوماسى والأكاديمى الإسرائيلى فى مصر، ولكن المطلب الأهم يجب أن يكون تعديل المعاهدات الموقعة مع العدو الإسرائيلى، فى مقدمتها وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل، ففضلا على أن هناك حكما قضائيا واجب التنفيذ، فإن مثل هذه المعاملات الاقتصادية لا تستقيم إلا مع الدول التى تربطها علاقات ودية، وليس هذا هو الحال مع دولة تغتال جنودنا، وبالإضافة إلى ذلك هناك المطلب الملح بتعديل هذه المعاهدات ليكون هناك تواجد أكثر فاعلية للقوات المسلحة المصرية على حدودنا مع العدو الإسرائيلى، وتمتعها بالتسليح الذى يسمح لها بالدفاع عن حدودنا بكفاءة فى مواجهة أى انتهاك لها. هذه فقط هى بعض الخطوات التى يمكن لحكومتنا اتخاذها حتى تشعر إسرائيل، ويدرك العالم كله أن هناك أوضاعا جدية فى مصر، وأن عهد الرئيس المخلوع ــ والذى وصفته القيادات الإسرائيلية بأنه كان كنزا استراتيجيا لها ــ قد ولى إلى الأبد.