أخطر من كل ما جرى

سمير كرم
سمير كرم

آخر تحديث: الأربعاء 22 أغسطس 2012 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

 كثيرا ما تصلنا رسائل إسرائيل غير المباشرة عبر بيانات اللوبى الصهيونى التى تصدر فى واشنطن من منظمات لها مكانة راسخة هناك سواء كانت مكانة سياسية أو أكاديمية أو تجمع بين هذه وتلك.

 

«معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» يبرز فى السنوات الاخيرة باعتباره واحدا من ابرز هذه المنظمات المعبرة عن وجهات نظر اسرائيلية على وجه التحديد. ولم يقصر هذا المعهد فى أداء مهمته ازاء احداث سيناء الأخيرة التى بدأت بهجوم المتطرفين فى الخامس من اغسطس الحالى والذى اودى بحياة ستة عشر جنديا مصريا واصابة سبعة آخرين. أصدر المعهد المذكور عددا كبيرا من البيانات والتحليلات بشأن هذا الحدث وبشأن رد الفعل الرسمى وغير الرسمى فى مصر ازاءه. ولكن واحدا من هذه الاصدارات تميز بشكل خاص فى طرح وجهة النظر الصهيونية ــ اى الاسرائيلية والاميركية الرسمية معا ــ بصورة لم يسبق لها مثيل من الوضوح والتحديد.

 

بعض ما تضمنه هذا البيان من معهد واشنطن كان على درجة قصوى من الخطورة، على الاقل من وجهة نظر مصرية وعربية بحتة. بل يمكن الزعم بان ما تضمنه هذا البيان تجاوز فى خطورته هذه الاحداث نفسها، وهذا ايضا من وجهة نظر مصرية وطنية او عربية قومية. وقد ارتكز البيان ــ الذى كتبه المدير التنفيذى للمعهد روبرت ساتلوف تحت عنوان « تنبيه سياسى: الارهاب فى سيناء، اختبار للرئيس مرسى والمؤسسة العسكرية المصرية» ــ على نقطتين اساسيتين قبل أن يتجاوزهما الى النقطة التى نعدها الاخطر فى كل ما قيل ويقال حول هذه الأحداث.

 

الاولى انه «يجب ابلاغ الرئيس مرسى بأن رده على هذه الازمة سيوفر اول دليل فعلى على التزامه ــ الذى كثيرا ما اعلن عنه امام الدبلوماسيين الأجانب ــ باحترام اتفاقات مصر الدولية ويعنى ذلك الحفاظ على معاهدة السلام مع اسرائيل».

 

الثانية انه «يجب على صنّاع السياسة الأمريكيين أن يؤكدوا للجيش المصرى مجددا أن واشنطن ترى حفظ السلام فى سيناء كجانب اساسى من السلام المصرى الاسرائيلى وان استمرار الدعم العسكرى الهائل يعتمد على بذل جهود صادقة لتعيين الافراد المناسبين وتخصيص الموارد للقيام بهذه المهمة... أن الاخفاق فى تخصيص الافراد والموارد المناسبة لشبه جزيرة سيناء يمكن أن يؤدى الى اعادة تقييم شامل لحزمة المساعدات العسكرية الاميركية مع التركيز على تحديث هذه العلاقة السائدة منذ ثمانينيات القرن الماضى لكى تتواءم مع البيئة الحالية.

 

هكذا وضع هذا «التنبيه السياسى» فى قلب نصه التهديد الصريح بان تقطع الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية «الهائلة» عن الجيش المصرى كعقاب واجب الاداء فى حالة ما اذا تقاعست مصر عن القيام بواجب ازالة الخطر الماثل فى سيناء.

 

مع ذلك لم يكن هذا اخطر ما تضمنه هذا النص ــ ومعذرة للتاخر فى التصريح بهذا الجانب الذى نعتبره الاخطر فيما اذيع حتى الآن عن احداث سيناء. ولا يتجاوز نص هذا الجانب الفائق الخطورة من حيث الحجم سطرين اثنين يحكى فيهما ما يزعم عن سلوك اسرائيل ازاء تقصير مصر فى اداء واجبها تجاه جنودها.. جنود مصر وليس جنود اسرائيل.

 

يقول التنبيه السياسى الصهيونى بالحرف الواحد «تشير بعض التقارير الى أن التواجد الامنى المصرى على طول الحدود مع اسرائيل غير كاف بشكل خطير، لدرجة أن جنود الدوريات الاسرائيلية يضطرون بين الوقت والاخر الى توفير الغذاء وغيره من المواد الاساسية الى نظرائهم المصريين».

 

وبصرف النظر عن معايير الصدق والكذب فإن هذه معلومة بالغة الخطورة. ولاسرائيل سوابق مأساوية فى التصرف ازاء الجنود المصريين الذين وقعوا اسرى فى ايديها. فالعالم كله يعرف الآن من اعترافات جنرالات الجيش الاسرائيلى أن القوات الاسرائيلية عمدت الى قتل نحو سبعمائة اسير مصرى فى حرب يونيو 1967 بان دفنتهم احياء. وليس من قبيل الابتعاد عن الحقيقة باى قدر أن بيان معهد واشنطن فيما ينقله عن «بعض التقارير» إنما يعطى ايحاء بأن القوات الاسرائيلية على حدود سيناء تتعامل مع الجنود المصريين على انهم اقرب ما يكونون الى اسرى لدى هذه القوات وانها تقدم لهم الغذاء والموارد الضررورية بهذه الصفة. وليس فى تاريخ اسرائيل ما يمكن أن يجبر احدا على الاعتقاد بصحة هذا الموقف الاسرائيلى او بصحة الحكاية برمتها.

 

غير أن المشكلة تصبح اكثر تعقيدا واشد ماساوية اذا ما فرضنا ــ مجرد فرض ــ أن القصة صحيحة وليست كذبا من اختراع الخيال الإسرائيلى، الذى يريد أن يصور الموقف الراهن فى سيناء بأنه اهمال كامل من الجانب المصرى مقابل اداء اسرائيلى للواجب الإنسانى وما تنص عليه المواثيق الدولية بشان الأسرى.. ولسنا بصدد الحديث عن أسرى، انما نحاول تصوير الوضع الذى يفرضه اللوبى الصهيونى على من يقرأ بياناته. ولقد تكفلت البيانات الاسرائيلية المتعاقبة بشأن احداث سيناء بنفى هذه الرواية البالغة الخطورة، وذلك عندما ركزت على الزعم بأان مصر فى ردها على هجمات الارهابيين فى سيناء إنما كانت ترضى اسرائيل. وان ما قامت به القوات المصرية يقع فى إطار عبارة «من اجل خاطر اسرائيل». فقد كان هذا اعترافا وان لم يكن صريحا بما فيه الكفاية بان مصر تملك الامكانات والقدرات العسكرية وغير العسكرية التى تجعل ردها على الارهابيين ردا كافيا الى حد أن يلقى قبول اسرائيل.

 

تبقى مسئولية مصر بعد هذا. ذلك أن السكوت على مثل هذه الرواية الصهيونية عن قوات مصرية تعتمد على القوات الاسرائيلية فى ماكلها وما هو اكثر من شانه أن يدع احتمال التصديق واردا. وهذا امر لا تحتمله كرامة مصر وعزة نفس المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved