مؤتمر لقادة الأمة

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 22 أغسطس 2012 - 9:55 ص بتوقيت القاهرة

اجتمعنا فى جلسة بمنزل أحد الأقارب. جلسنا بعد تناول الطعام أمام التليفزيون كعادة كل الناس. انقسم الجمع أيضا كعادة كل الناس حول أى مسلسل أو برنامج يشاهدون. وفى النهاية تدخلت لينتصر الرأى بأن نخفت الصوت، أى نشاهد ولا نسمع، وإنما نتكلم فى وداعة ونعومة.

 

وسط الهدوء علا صوت صبى يدعونا للتخلى عن نقاشاتنا لمشاهدة الشاشة حيث بدأت تظهر سيارات سوداء فارهة تمشى الهوينا فى شوارع مرصوفة بالرخام الخالص متوجهة نحو بوابة قصر عظيم. السيارات تلمع والرخام يلمع وملابس الحرس تلمع وكبار المستقبلين يتحركون فى أبهة وفخامة.

 

•••

 

تتهادى السيارة عند اقترابها من مداخل القصر، وعندما تتوازى مع الباب ولم يبق إلا مترين لتقف بعدهما يفتح باب السيارة الأمامى إلى يمين السائق ويقفز منه فارس ضخم الجثة بملابس سوداء، رأيناه كثيرا فى مناسبات مشابهة فى مختلف عواصم العالم، لكنه فى هذه المناسبة لا يرتدى نظارة الشمس السوداء، فالدنيا ليل. تستمر السيارة فى زحفها مترا آخر لنرى رجلا آخر يقفز من بابها الخلفى الأيسر، رجل أقل ضخامة ويرتدى طاقما مختلفا عن طاقم الحارس الذى قفز قبل متر. تقف السيارة فيهرع الفارس ويفتح بابها الخلفى الأيمن لينزل منه الضيف العظيم فيستقبله تشريفاتى طويل القامة ويدخل به القصر مفسحا له الطريق حتى يصلا إلى مفترق دهاليز فيسلمه إلى تشريفاتى آخر. يأخذه التشريفاتى الآخر إلى حيث يقف شخص كبير المقام، لعله أحد الأمراء، فيحييه ويشير بيده إلى تشريفاتى ثالث ليصحب الضيف ويدخل به القاعة العظمى وقد جلس فى صدارتها عاهل السعودية وخادم الحرمين.

 

•••

 

كنت شاهدا ومشاهدا فى افتتاح مؤتمرات عديدة للقمم، آخرها مؤتمر قمة العشرين وقمة الاتحاد الأوروبى وقمة الآسيان وقمة الاتحاد الأفريقى، ولكن لم أشهد ولا شاهدت مؤتمرا مثل هذا الذى جلسنا نشاهده فى هذه الجلسة. راحت الكاميرا تجول بنا. جالت بنا على رجال من كل الألوان يرتدون كل الأزياء يجلسون على أرائك أوروبية الطراز والذوق وتحت أقدامهم سجاد نسجته أياد فارسية تخصصت فى إمتاع ملوك العرب وضيوفهم من الأمراء والرؤساء. علقت سيدة جلست إلى جانبى قائلة: لا شىء فى القاعة عربيا سوى ثراء مفرط وكثير من الرجال.

 

•••

 

تنبهت إلى أن بين مئات الحاضرين فى المؤتمر لم تظهر امرأة واحدة، لا رئيسة ولا ملكة ولا رئيسة وزارة ولا وزيرة خارجية، حتى الوفود المدعوة لم يكن بين اعضائها امرأة، دبلوماسية كانت أم متدربة. لذلك كان لافتا لانتباه الجالسين معى خطاب رئيس جمهورية السنغال الذى بدأه بالعبارة التقليدية «حضرات السيدات والسادة» فى قاعة تخلو تماما من السيدات وفى مؤتمر ضم قادة العالم الإسلامى اجتمعوا لحل مشكلاته السياسية والاجتماعية واتخاذ قرار بطرد سوريا من عضوية مؤتمر التضامن الاسلامى وانقاذ مسلمى بورما، متجاهلين أن بين مسلمى بورما نساء مضطهدات ليس فقط من متطرفين فى الشعب البوذى ولكن أيضا من رجالهن المسلمين.

 

•••

 

انفضت جلستنا فور إعلان المؤتمر إغلاق جلسته فى وجه الضيوف والإعلاميين والمصورين. خرجنا نفكر فى مغزى خطاب عاهل السعودية الذى ركز فيه على مفهوم الوسطية كعقيدة سياسية تلتزمها الحكومات الإسلامية. مشينا نسأل، إذا كانت الحكومات الإسلامية التى نعرفها ونعيش فى ظلها وسطية، فما هى سمات الحكومات الإسلامية التى لا تلتزم الوسطية. ؟

 

•••

 

لم تكن الوسطية السؤال الوحيد الذى رافقنا فى رحلة العودة إلى منازلنا. عدنا ونحن نفكر فى سبب مقنع يبرر غياب أمير المؤمنين الملك المغربى عن مؤتمر لقادة المسلمين، وعن سبب مناسب يشرح حال الانشراح المفرط التى غلبت على تصرفات الملك الشاب، عاهل الأردن، خلال مرحلة استقبال الضيوف، وعن سبب «عصرى ومتحضر» يحول دون وجود امرأة وإن قيل لى فى اليوم التالى إن أحدهم لمح إمرأة ولم تكن محجبة، وعن الأسباب التى جعلت خطاب عاهل السعودية يبدو شديد التشاؤم ودافعا للاكتئاب. فقد ورد ذكر المسلمين فى خطابه بصفات منها أنها « أمة ضعيفة» وأمة «تمزقها الفتن» ولكنها أمة ستنتصر بالوسطية إن شاء الله.

 

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved