يجب أن نكون مستعدين للمواجهة المقبلة فى غزة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:49 ص
بتوقيت القاهرة
نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، مؤخرا، عن مسئول دبلوماسى كلاما يحذر من أن حركة «حماس» استأنفت تصنيع الصواريخ، وشرعت فى إعادة بناء الأنفاق الإرهابية التى دمرتها قوات الجيش الإسرائيلى خلال العملية العسكرية الأخيرة فى قطاع غزة.
لكن هذه التقارير الإعلامية كانت مجرد محاولات لبرهنة مدى فشل عملية «الجرف الصامد» أكثر مما هى حصيلة معلومات موثوقة. ومع ذلك، ستستأنف حركة «حماس» تصنيع الصواريخ وحفر الأنفاق فى وقت ما فى المستقبل. وفى نهاية المطاف، إن جوهر اتفاق وقف إطلاق النار هو التالي: يحافظ الجانبان على التهدئة، وفى الوقت نفسه يستعدان للمواجهة القادمة.
إن فى إمكان أى شخص أن يرى أن تجنب التحضير لمواجهة مستقبلية، لا بل الحيلولة كليا دون احتمال مواجهة مستقبلية، كانا يقتضيان إدارة العملية العسكرية الأخيرة بطريقة مختلفة. فقد كان يتوجب على الجيش الإسرائيلى إعادة السيطرة على قطاع غزة، أو على الأقل مدينة غزة ومحيطها المباشر، ودفع الثمن الذى يقتضيه الاحتلال فى سبيل «تنظيف» المدينة. كما كان على إسرائيل أن تضحى بالمزيد من الجنود الإسرائيليين، وأن تقتل المزيد من الفلسطينيين، بما فى ذلك الكثير من المدنيين. وكان يمكن أن يستغرق احتلالها فترة قصيرة، ولكن عملية التنظيف كانت ستستغرق عدة أشهر. كما أن الأضرار الناجمة عن القتال، والتنظيف اللاحق وتدمير الأنفاق سيكونان هائلين، وأكبر بكثير من الخراب الذى لحق بالفلسطينيين عمليا (وهو ليس قليلا). وأخيرا، كانت إسرائيل ستبقى الطرف الوحيد الذى يتوجب عليه بحكم القانون إعادة إعمار وتأهيل قطاع غزة وسكانه.
•••
منذ اللحظة التى قررت فيها إسرائيل عدم دفع الثمن الذى تقتضيه هذه الأفعال، أصبح من الواضح أنه لا سبيل إلى كسر إرادة حركة «حماس» على القتال، أو منعها من البقاء فى السلطة بعد انتهاء العملية العسكرية. وكانت جميع البدائل المقترحة، ولا تزال، غير واقعية كليا؛ سواء على الصعيد العسكرى (فكرة «قطع رءوس الأفاعى»)، أو بالنسبة للمرحلة التى تعقب القتال (نقل السلطة إلى الأمم المتحدة، أو وضع قطاع غزة تحت سلطة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية).
ومن هنا، ومن دون أى أوهام بشأن المستقبل، ينبغى أن نستعد للعملية المقبلة، وفى الوقت نفسه بذل كل الجهود الآيلة لإبعاد موعد هذه العملية المرتقبة إلى أقصى حد ممكن. وهذا أمر ممكن. لكن، فى سبيل تحقيقه، علينا أن نؤسس لسياسة واضحة تردّ إسرائيل بموجبها على كل خرق لوقف إطلاق النار بقوة وعلى الفور.
ستُحدد قواعد اللعبة عبر ردنا على الصلية الأولى من الصواريخ. وبالتالى، من المهم أن تكون لدينا خطة واضحة حول كيف نرد عندما يحدث ذلك. ولحسن حظنا، هناك اليوم على الجانب الآخر دولة مصرية مختلفة ــ ليست الدولة التى كانت سلبية تماما فى عهد مبارك، أو الدولة الداعمة بقوة لحركة «حماس» فى عهد محمد مرسى. إن القيادة المصرية الحالية تدرك أن حركة حماس تمثل تهديدا للسلطة فى مصر بقدر ما تمثل تهديدا لإسرائيل. وعليه، فهى ستبذل جهدا أكبر لمنع حركة «حماس» من استعادة قوتها. لكن فى هذه الحال أيضا، ستحاول حركة «حماس» حتما، وقد تنجح أحيانا، فى تهريب أسلحة ومواد أخرى إلى قطاع غزة، لأن القوة العسكرية هى علّة وجودها.
فى المفاوضات التى ستبدأ قريبا فى القاهرة، ستلعب مصر دور الوسيط بين إسرائيل وحركة حماس. ستخضع إسرائيل لضغوط بهدف السماح بإعادة إعمار قطاع غزة. الدمار هناك واضح جدا فى المناطق التى اشتدت فيها وطأة القتال. وفى الأجزاء التى ضمّت مراكز القيادة ومنشآت تصنيع أسلحة، الدمار شديد، لكن فى أماكن معيّنة.
•••
إن إعادة إعمار قطاع غزة تخدم مصالح إسرائيل؛ لأنه فضلا عن قوة الردع الإسرائيلية، سيكون للغزّاويين ممتلكات يخشون خسارتها مجددا. لكن ينبغى أن تخضع متطلبات الإعمار إلى عدد من القيود، أهمها تلك المتعلقة بمواد البناء. وينبغى أن تطور إسرائيل آلية من شأنها تقليص استعمال المواد من أجل بناء الأنفاق الإرهابية أو مراكز القيادة العسكرية إلى الحد الأدنى، قدر المستطاع. ولا يجب أن نوهم أنفسنا باعتقاد أن فى وسع إسرائيل منع هذا الأمر كليا ــ إن المنع الجزئى أمر كاف، إذ لا يمكن منعه مائة فى المائة.
الاختبار الحقيقى ليس ما إذا كانت حركة «حماس» ستستأنف إعادة بناء قوتها العسكرية ــ ففى غياب الاحتلال الإسرائيلى هذا هو السيناريو الوحيد الممكن (مثلما تعلمنا بعد أوسلو وبعد الانسحاب الأحادى الجانب من قطاع غزة) ــ وإنما الاختبار الحقيقى هو اختبار الحفاظ على التهدئة. وبقدر ما تطول فترة التهدئة، تكون العملية العسكرية ناجحة، والزمن كفيل بالإجابة على ذلك. لكن فى مستطاعنا التأثير على مجريات المستقبل، وعلينا ألاّ ننسى أو نهمل ذلك على الرغم من التعقيدات المحيطة به.
من الأهمية بمكان أن نعدل توقعاتنا، ليس فقط حيال قطاع غزة. إسرائيل دولة قوية، على الصعيدين الإقليمى والعالمى، غير أن القدرة العسكرية لا تتطلب بالضرورة استخدام القوة فى كل مرة نواجه فيها تحديا أمنيا. فمن الأفضل توجيه قدراتنا، والمشروعية القليلة التى نتمتع بها فى العالم، نحو تهديدات خطيرة بالفعل، وبالتأكيد إذا كانت حرجة ووجودية. وهذه التهديدات تلوح نذرها بلا شك. ومن الجوهرى أن تكون توقعات الجميع (القيادتين المدنية والعسكرية، فضلا عن الجمهور) متماشية مع بعضها. هذا أمر بالغ الأهمية على الدوام، لكن أهميته تكون عشرة أضعاف فى زمن الأزمات.