الحكومة الجديدة.. التوقعات والأولويات
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 سبتمبر 2015 - 12:15 م
بتوقيت القاهرة
التغيير الحكومى الأخير جاء أوسع بكثير مما كان متوقعا. فبينما ساد اعتقاد فى البداية بأنه سوف يتضمن فقط القريبين من قضية فساد وزارة الزراعة، إذا به يتسع ليشمل أربعة وزراء فى مجال التعليم (التعليم والتعليم العالى والتدريب والبحث العلمى)، وخمسة فى المجال الاقتصادى والإنتاجى (الصناعة والتعاون الدولى والسياحة والبترول والزراعة) وثلاثة فى مجال الخدمات (الصحة والنقل والاتصالات)، بجانب وزراء العدالة الانتقالية والتنمية المحلية والإنتاج الحربى والثقافة والعمل، مع إلغاء وزارتى السكان وتطوير العشوائيات.
ولكن إن كانت قضية الفساد لم تطل وزراء آخرين، وإن كانت غالبية المجموعة الاقتصادية باقية، وإن كان رئيس الوزراء السابق يتمتع بدعم وثقة رئيس الجمهورية، فما الذى دفع بالتغيير إذن فى هذا الوقت وبهذا العدد الكبير؟ فى تقديرى أن الدافع الرئيسى هو تجديد الدماء والأسماء، والعمل على استرداد شعبية الدولة بعد أن عاد الاحتجاج إلى الشارع المصرى، وتهدئة الإعلام الذى انقلب ضد الحكومة السابقة مرة واحدة، وربما اختبار وجوه جديدة قبل تشكيل الحكومة التى ستأتى عقب انتخاب البرلمان.
التجديد مطلوب وهو سنة العمل السياسى. ولكن ما يهم هو ألا يقتصر على تغيير الوجوه والأسماء بل يقترن بمراجعة وتجديد السياسات والتوجهات التى أثارت استياء المواطنين فى الفترة الأخيرة. والحكومة الجديدة انتقالية بالمعنى الرسمى لأن عمرها ثلاثة أشهر فقط وسوف تقدم استقالتها عقب تشكيل البرلمان، ولو أعيد تجديد الثقة فيها مرة أخرى. ولأنها حكومة مؤقتة وانتقالية فليس من الممكن أن تقوم بتنفيذ سياسات وبرامج جديدة وتطبيق إصلاحات جذرية خلال الوقت الضيق المتاح لها. ولكن فى استطاعتها ــ ومن واجبها ــ أن تقوم بما هو أهم من ذلك بكثير، وهو العمل على وضع رؤية للمستقبل ومراجعة السياسات الخاطئة وتقديم بدائل لها. هذه المراجعة مطلوبة فى ثلاثة ملفات رئيسية:
فى الملف الاقتصادى، لا تزال هناك حاجة ماسة لرؤية اقتصادية واضحة المعالم وبرنامج اقتصادى محدد الأهداف والأدوات لأن الاستمرار فى تنفيذ مشروعات عملاقة وعقد مؤتمرات اقتصادية وتوقيع مذكرات تفاهم دون أن يحتويها إطار جامع لن يحقق الثمار المرجوة بغض النظر عن الجهد والحماس والكفاءة فى التنفيذ. هناك ضرورة لتحديد طبيعة الاقتصاد الذى تنشده الدولة، ودور القطاع الخاص، ودور الدولة بما فى ذلك المؤسسة العسكرية، والسياسة الضريبية، والتوقعات الواقعية لعجز الموازنة وكيفية تمويله، وخطة الدولة فى توفير فرص العمل، وبرنامجها للحماية الاجتماعية، ولتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة. هناك أفكار كثيرة مطروحة على الساحة، ورؤى متناقضة صادرة من عدة وزارات، وجهود تبذل فى مجالات ضيقة. ولكن هذا لم يعد كافيا ويجب أن تعلن الدولة عن سياستها الاقتصادية واختياراتها الاجتماعية بوضوح أكبر.
وفى الملف التشريعى فإن هناك ضرورة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الاضطراب التشريعى الذى شهدناه فى العام الماضى. خلال هذا العام تولت مسئولية التشريع وزارة العدالة الانتقالية ــ تاركة بذلك عملها الرسمى ــ واحتكرت الموضوع وتجاهلت الخبرات والكفاءات التى تذخر بها وزارة العدل، والمحاكم المصرية، والجامعات، كما تجاهلت آراء ومساهمات الأحزاب والجمعيات والنقابات، وانطلقت تعد القوانين على عجل قبل انتخاب البرلمان، ودفعت بعشرات القوانين التى لا يتوافر فيها عنصر الضرورة والاستعجال، وورطت البلد فى تشريعات غير مدروسة وبعضها مخالف للدستور. تغيير الحكومة فرصة لمراجعة بعض هذه التشريعات، خاصة فيما يتعلق بقوانين الاستثمار، والضرائب، والخدمة المدنية، وتعديلات قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية.
وأما فى الملف السياسى فإن هناك أيضا ضرورة للمراجعة والتصحيح. للأسف لم تعد هناك فرصة للرجوع إلى القانون الذى يجرى بموجبه انتخاب البرلمان القادم لأن القطار الانتخابى انطلق وليس من المصلحة أن يتوقف مرة أخرى. ولكن هذه الحكومة الانتقالية بإمكانها ــ وعليها واجب ــ أن تعمل على التمهيد لانفراج سياسى يعقب تشكيل البرلمان ولمحاولة استرجاع المسار الديمقراطى مرة أخرى. وهذا الانفراج يحتاج لتأكيد احترام الدولة للدستور، ولتغيير موقفها من الاحتجاج السلمى، كما يحتاج لقبول تعدد الآراء، ولتشجيع المجتمع المدنى، ولاتخاذ موقف حاسم من التحريض الاعلامى، لأن البلد لن تتاح له فرصة تحقيق النمو الاقتصادى والأمن والاستقرار طالما استمر المجتمع منقسما وحالة الكراهية والاقصاء مستمرة. وهذا كله لا يتعارض أو يحد من قدرة الدولة على محاربة الارهاب، بل يدعمها ويساندها ويحفظ وحدة الصف الضرورية لدحر الارهاب والعنف.
•••
تمنياتى للوزارة الجديدة بالتوفيق والنجاح فى مهمتها الصعبة، كما أتوجه بالتحية والتقدير لثلاثة وزراء سابقين شاركتهم العمل ــ السيد/ منير عبدالنور والدكتورة/ نجلاء الأهوانى والدكتورة/ ليلى إسكندر ــ لما بذلوه من جهد كل فى مجاله، وتحملهم لمسئولية كبيرة، كما أهنئهم على سلامة الخروج بسمعة طيبة وبحب وتقدير العاملين معهم، وهذا أكبر تكريم.