حملة الكاظمى ضد التنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 سبتمبر 2020 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب «تامر بدوى».. نعرض منه ما يلى.
يمارس رئيس الوزراء الحالي ورئيس جهاز المخابرات العراقى السابق مصطفى الكاظمى ضغوطا متزايدة على التنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران، تمتلك هذه التنظيمات ألوية داخل قوات الحشد الشعبى، يستفيد الكاظمى من حملة «الضغط الأقصى» الأمريكية التى تستهدف إيران ويستخدم الضغوط الاقتصادية ويدفع بعناصر التنظيمات شبه العسكرية وداعميها خارج المؤسسات الحكومية بهدف إضعاف تلك المجموعات.
يجد الكاظمى صعوبة فى تضييق الخناق على التنظيمات شبه العسكرية التى يُعتقد على نطاق واسع أنها مسئولة عن إطلاق عشرات القذائف باتجاه المنطقة الخضراء فى بغداد والمنشآت العراقية التى تُستخدم مقرا لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وقد ازدادت وتيرة الهجمات فى نوفمبر 2019، وتكثفت بعد قيام الولايات المتحدة باغتيال أبو مهدى المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبى، وقاسم سليمانى، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإسلامى الإيرانى. وكان الهدف من الهجمات الضغط على القوات الأمريكية والأجنبية للانسحاب من البلاد، والثأر لاغتيال المهندس وسليمانى، وبعدما كان عدد الهجمات التى استهدفت قوات التحالف بواسطة العبوات الناسفة والمقذوفات يُقدر بأربع هجمات فى مايو، ارتفع إلى نحو 18 فى أغسطس.
***
غالب الظن أن رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى يتجه نحو خوض مواجهة مع التنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران، ما قد يهدد ائتلافه الوليد.
فى حين أن القوى الأجنبية كانت قد خططت للانتقال إلى الاضطلاع بمهام استشارية بدلا من الدور القتالى بحلول نهاية أغسطس، تسببت الهجمات بالتسريع فى انسحاب ثمانية تجمعات من قوات التحالف من القواعد العراقية وإعادة موضعة القوات المتبقية فى ثلاث قواعد ذات حماية أكبر. قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى اجتماعه مع الكاظمى فى 19 أغسطس، إنه ينوى سحب قواته فى غضون ثلاث سنوات، علما بأنه تراجع فى اليوم التالى ولم يحدد موعدا للانسحاب، وفى هذه الأثناء، استمرت التنظيمات شبه العسكرية فى المطالبة بالانسحاب الكامل وواصلت شن الهجمات.
يسعى الكاظمى، منذ تسلمه منصبه، إلى تضييق الخناق على المجموعات شبه العسكرية. وفى هذا الإطار، عمد إلى زيادة الضغوط عليها بصورة تدريجية مستخدما الإكراه من جملة أدوات أخرى. بيد أن التنظيمات المستهدفة ردت باللجوء إلى القوة، وزادت تنظيمات شبه عسكرية أخرى موالية بشدة لإيران من منسوب هجومها الخطابى على حكومة الكاظمى من خلال وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية التابعة لها. تعتقد الأكثرية الساحقة فى إدارة الكاظمى أن كتائب حزب الله مسئولة عن إطلاق صواريخ قبل الحوار الاستراتيجى العراقى ــ الأمريكى وخلاله بهدف إحراج الكاظمى، وممارسة ضغوط على الولايات المتحدة لسحب قواتها. ويرى قطاع من الجمهور العام المحلى والدولى أن استسلام الكاظمى للضغوط من كتائب حزب الله شكل انتكاسة كبيرة.
***
يحاول الكاظمى التصدى للتنظميات شبه العسكرية على جبهات عدة. فعلى الصعيد المالى، سعى إلى تعزيز سيطرة حكومته على المعابر الحدودية لمكافحة الفساد والتهريب. لقد أرسل الكاظمى، خلال زيارةٍ له، قوات الحشد الشعبى والرد السريع للسيطرة على المعبرين الحدوديين المؤديَين إلى إيران فى ديالى، وفقا لقيادة العمليات المشتركة. ولاحقا، فى 25 يوليو، أرسلت قيادة العمليات المشتركة قوات للسيطرة على أربعة عشر معبرا حدوديا فى البر والبحر. إضافة إلى ذلك، ومن أجل الحد من احتمالات الفساد، قام الكاظمى بتقصير فترة مداورة موظفى المعابر الحدودية من ستة إلى ثلاثة أشهر. ولكن ثمة معابر حدودية غير رسمية تُستخدَم للتملص من الرقابة الحكومية، وتولد عادة إيرادات أكبر للتنظيمات شبه العسكرية مقارنة بالمعابر الرسمية، ولكن الكاظمى لم يتخذ سابقا إجراءات لمكافحة تلك المعابر. وفى أغسطس، شكل رئيس الوزراء لجنة «للتحقيق فى ملفات الفساد والقضايا الكبرى»، وكلف جهاز مكافحة الإرهاب تنفيذ أوامره، فى مسعى للتضييق أكثر على المصادر التى تستخدمها التنظيمات شبه العسكرية من أجل كسب المداخيل.
وسعى الكاظمى أيضا إلى تعزيز جهاز مكافحة الإرهاب لاستخدامه أداة فى مكافحة الفساد وفى مواجهة الفاعلين الموالين لإيران الذين يتسببون مباشرة بتقويض سلطته. وفى الوقت نفسه، سعى الكاظمى إلى إضعاف العناصر الموالية لإيران. فى 4 يوليو، قام الكاظمى بتعيين قاسم الأعرجى، وهو لاعبٌ صغير على الساحة العراقية وعضو منظمة بدر الموالية لإيران، مستشارا للأمن الوطنى. وعين الكاظمى عبدالغنى الأسدى، الذى كان قائدا لجهاز مكافحة الإرهاب وتربطه علاقة عمل جيدة بهيئة الحشد الشعبى، رئيسا لجهاز الأمن الوطنى. وفى 14 سبتمبر، عين الكاظمى وزير الدفاع السابق خالد العبيدى الذى هو من أنصار رئيس الوزراء السابق حيدر العبادى ويوجه انتقادات إلى التنظيمات شبه العسكرية الموالية لإيران، فى جهاز المخابرات الوطنى. وكذلك عين الكاظمى فالح يونس حسن، وهو شخصية سياسية سنية لا تجمعه أى صلات بالتنظيمات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران، نائبا للأسدى فى جهاز الأمن الوطنى. يسعى الكاظمى، من خلال هذه التعيينات، إلى إرساء توازن فى المؤسسات الأمنية بعيدا عن القوى المتحالفة مع إيران.
وعلى الجبهة السياسية، يسعى الكاظمى إلى الحصول على دعمٍ لأجندته الأمنية أكبر من الدعم الذى حصل عليه سلفه حيدر العبادى. وقد تحولت كتلة الحكمة المؤلفة من 20 نائبا فى مجلس النواب العراقى من صفوف المعارضة إلى دعم الكاظمى. وأعادت تنظيم نفسها تحت اسم «عراقيون»، وباتت الكتلة تضم نحو أربعين نائبا فى البرلمان من خلال انضمام نواب مستقلين وكتل صغيرة إليها. ولكن حجر الزاوية فى الدعم السياسى لرئيس الوزراء يبقى الرئيس برهم صالح الذى سماه لرئاسة الوزراء. كذلك يقدم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسى الدعم للكاظمى فى مواجهة التنظيمات شبه العسكرية. حتى إن آية الله العظمى، على السيستانى، وهو المرجعية الشيعية العليا فى العراق، أبدى ضمنا دعمه لجهود الكاظمى.
***
وحتى فيما يعمل الكاظمى على تضييق الخناق على التنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران، يريد أن يحافظ على الروابط الاقتصادية نفسها مع طهران، لا بل تعزيزها من خلال إبقاء الأسواق العراقية مفتوحة على إيران. وفيما تراجعت الصادرات الإيرانية غير النفطية التى تمر عبر المعابر الحدودية الأساسية إلى النصف خلال العام الجارى مقارنة بالعام الماضى، بسبب انخفاض الطلب فى السوق العراقية وتوقف عبور الحجاج الإيرانيين، ثمة مؤشرات بأنه قد يجرى إنشاء سكة حديد بين العراق وإيران عبر شلامجة لتعزيز التجارة والتنقل. قد لا تكون ثمة حاجة إلى مثل هذا المشروع بسبب ضعف الطلب على التجارة والتنقل بين البلدَين، لكن الهدف منه هو إرضاء إيران. وقد بادر العراق، خلال زيارة قام بها وزير الطاقة الإيرانى فى 3 يونيو، إلى تسديد 400 مليون دولار لإيران، أى نصف ديون الكهرباء التى تراكمت فى ظل العقوبات الأمريكية. وفيما كانت عقود تصدير الكهرباء بين إيران والعراق تُجدد عادة على أساس سنوى، جرى تجديدها هذه المرة لمدة عامَين. يأمل الكاظمى بأن ترحب طهران بهذه الجهود الهادفة إلى توطيد الروابط الاقتصادية بين البلدين، من خلال تقديم الدعم للحملة التى يشنها ضد التنظيمات شبه العسكرية أو أقله تغاضيها عنها. ولكن طهران أوضحت أنه بات لديها سلطة أقل على حلفائها الذين باتوا يتحركون مع هامش حرية أكبر بعد اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليمانى. وتجلى ذلك من خلال سقوط العديد من القذائف على مقربة من السفارة الأمريكية خلال زيارة وزير الخارجية الإيرانى إلى بغداد فى 19 يوليو.
الهدف الأقصى الذى يسعى إليه الكاظمى خلال فترة رئاسته للحكومة المؤقتة هو إضعاف الأحزاب المدعومة من التنظيمات شبه العسكرية قبل الانتخابات المقبلة من أجل السماح لرئيس الوزراء المقبل بإضعاف قبضة التنظيمات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران على القوى الأمنية العراقية. وفيما تعيد قوى التحالف التموضع فى العراق، غالب الظن أن جولات المواجهات الجديدة مع التنظيمات شبه العسكرية ستؤدى إلى إضعاف جهود الكاظمى لبناء ائتلاف فيما تسعى تلك التنظيمات إلى جره إلى مواجهة متسرعة ليس مستعدا لها. وهكذا تتعاظم احتمالات الخلاف بين الكاظمى والقوى السياسية الأخرى على خلفية تقاسم المؤسسات الحكومية، والقوانين الانتخابية، وتوقيت الانتخابات النيابية المقبلة.
النص الأصلى
https://bit.ly/3kABseL