التعليم ومتطلباته فى عصر الذكاء الاصطناعى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 22 سبتمبر 2024 - 6:15 م بتوقيت القاهرة

 

أثار التطور العلمى لتقنيات الذكاء الاصطناعى جدلا حول مخاطره من جهة، وسُبل الاستفادة من قدراته الفائقة من جهة أخرى، الأمر الذى فَرض على عاتق الحكومات، وعلى وزارات التربية تحديدا، مسئوليات كبرى، ولاسيما لجهة تطوير مناهجها التدريسية ووضع استراتيجيات عمل مُواكِبة لمجمل هذه التغيرات. يرمى هذا المقال إلى إثارة التفكير حول ثلاثة أسئلة أساسيّة هى:
أولا: كيف يُمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعى لتطوير التعليم؟
ثانيا: ما هى الإجراءات الواجب اتّخاذها لضمان أخلاقيّات الاستخدام وضمان التعليم الشامل والمُنصف للجميع؟
ثالثا: كيف يُمكن للذكاء الإنسانى لدى المتعلّم أن يتكيف مع الذكاء الاصطناعى؟
انطلقت محاولات الإجابة عن هذه التساؤلات مع منظمة اليونيسكو، بالتعاون مع الحكومة الصينية، فى المؤتمر الدولى للذكاء الاصطناعى والتعليم فى بكين فى العام 2019، تحت شعار «تخطيط التعليم فى عصر الذكاء الاصطناعى، قيادة القفزة». اهتمّ المؤتمر بدراسة مستقبل التعليم بعد العام 2030 وفى صوْغ بعض الاتجاهات والقضايا الرئيسة التى تؤثّر فى الذكاء الاصطناعى فى التعليم.
• • •
أولا: فى الاستفادة، يُمكن التركيز على أربع فئات أساسيّة للاستفادة من الذكاء الاصطناعى لتطوير التعليم خلال وضع السياسات التعليميّة وهى: الإدارة التربوية، التعليم والتقويم، تمكين المعلمين وتطوير المناهج، التعلّم مدى الحياة.
فيما يتعلق بالإدارة التربوية: يُمكن جعل جوانب محدّدة من إدارة المدارس آلية (أنظمة معلومات إدارة التعليم، إدارة سجلات التلاميذ، متابعة الواجبات المدرسية، التفتيش على المدارس...)، ويُمكن أيضا الاستفادة من البيانات الضخمة الناتجة عن أنظمة الإدارة التربوية لتوفير المعلومات للمُعلمين والإداريين، وفى بعض الأحيان للتنبؤ بنتائج التلاميذ وتحديد المعرَّضين لخطر الفشل من خلال تحليل البيانات الضخمة. من هذه التطبيقات يوجد أويو للتحليل OU Analyse المصمَّم فى جامعة المملكة المتحدة المفتوحة، الذى يهدف إلى تمكين التلاميذ الذين قد يواجهون صعوبات، من إكمال دوراتهم.
فى التعليم والتقويم: ثمة إمكانية كبرى فى الاستفادة من الذكاء الاصطناعى فى التعليم والتقييم. يمكن استعراض بعضها الذى يعتمد على نظام الدروس الخصوصية المُستندة إلى الحوار من خلال نظام واتسون توتر Waston Tutor مثلا، الذى تمّ تطويره على يد شركة IPM وPearson Education، أو من خلال تقييم الكتابة الآلى المُعتمد مثل برنامج Write to learn أو نظم تعلّم القراءة واللغة بدعم من الذكاء الاصطناعى مثل برنامج Al teacher أو الروبوتات الذكية مثل Nao إضافة إلى الواقع التربوى الافتراضيVR أو الواقع المعزَّز AR الذى يشكل تجربة معززة للتلاميذ فى انتقالهم إلى البيئات الواقعية والمتخيلة.
تمكين الأساتذة وتطوير المناهج: يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعى لتمكين الأساتذة من خلال العديد من الأفكار الفعالة، منها أنموذج «المعلم المزدوج» للذكاء الاصطناعى. يعتمد هذا الأنموذج على تقديم معلم خبير محاضرة عبر الفيديو للتلاميذ فى فصل دراسى بعيد، والذين يتلقون إرشادات إضافيّة من معلم محلى أقل خبرة. يمكن من خلال هذا الأنموذج أن يساعد الذكاء الاصطناعى المعلم البشرى فى الكثير من المهام، بما فى ذلك توفير الخبرة المتخصصة أو موارد التطوير المهنى، والتعاون مع الآخرين ضمن نطاقات مختلفة. وهناك العديد من الخدمات المصمّمة لإراحة المعلمين من الأنشطة التى تَستغرق وقتا طويلا مثل تسجيل الحضور وتصحيح المسابقات والإجابة عن الأسئلة المكررة أو غيرها.
التعلم مدى الحياة: يمكن استغلال الذكاء الاصطناعى من أجل الصالح العام فى التعليم، إذ يمكن لهذه التقنيات أن تنشئ معلمين يحركهم الذكاء الاصطناعى لمرافقة المتعلمين مدى الحياة. يمكن تطوير ممارسات الاختبارات مثل التعرّف إلى الوجوه والصوت والتحليل الجنائى للنص، للتحقق من المرشحين فى اختبارات المتعلمين عن بُعد. ويمكن استخدام حافظة إلكترونية معتمدة على الذكاء الاصطناعى لتجميع معلومات التقييم المستمر المسجّلة طوال فترة وجود التلميذ فى التعليم النظامى، جنبا إلى جنب البيانات المتعلقة بمشاركة التلميذ فى التعليم غير النظامى والتعليم غير الرسمى أو غيره.
• • •
ثانياً: فى الإجراءات، يشكّل انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعى فى التعليم مخاطر وتحديات متعددة، الأمر الذى يحتاج إلى وضع سياسات وإجراءات تحول دون الوقوع فى مخاطرها المتعددة التى تطال التلميذ والمعلّم والمدرسة والمجتمع. والسؤال هو ما هى أبرز هذه الإجراءات لحماية المعلمين والمتعلمين؟
إن أبرز الإجراءات هى فى الحفاظ على ملكية البيانات والإجراءات الخصوصية والسرية ووضع ضوابط للمراقبة. إلا أن الأمر قد يتجاوز قدرات صناع السياسات ويطرح الأمر العديد من الهواجس فى هذا السياق أبرزها: ما هى الحدود الأخلاقية ومعاييرها خلال جمع بيانات المتعلمين واستخدامها وتحديثها باستمرار؟ كيف يمكن الاعتراض من قبل المدارس أو المعلمين أو التلاميذ أو الأهالى خلال تمثيلهم فى البيانات الضخمة؟ ما هى الالتزامات الأخلاقية للمنظمات الخاصة (مُطوّرى المنتجات) على وجه الخصوص؟ كيف تؤثّر تبدلات مواقف التلاميذ وعواطفهم على تفسير البيانات وأخلاقيات الذكاء الاصطناعى المطبّقة فى السياقات التعليمية؟ كيف يمكن تجنّب الانتقادات التى تعتبر الذكاء الاصطناعى تطفلا غير إنسانى لمراقبة التلاميذ وإيماءاتهم وعواطفهم ونزْع الطابع الإنسانى فى سياق تحويل المتعلمين إلى أشخاص مُبرمَجين تم تجريدهم من التفاعل البشرى الطبيعى؟
يجب على واضعى السياسات التربوية تنفيذ أطر تنظيمية لضمان التطوير والاستخدام المسئولَيْن لأدوات الذكاء الاصطناعى فى التعليم والتعلّم. ولا بد من الالتزام بالتوصيات الدولية فى هذا الصدد، ولاسيما اليونيسكو.
ومن الأمور الأساسيّة التى يجب أخذها بعيْن الاعتبار، هى الفجوة الممكنة بين الذين يملكون قدرة الوصول إلى تقنيات الإنترنت والذكاء الاصطناعي، وبين من لا يمكنهم الوصول إليها.
وهذه مسألة حرجة تؤثر على كل هدف من أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما الهدف الرابع القائم على ضمان التعليم الجيد الشامل والمنصف وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع.
• • •
ثالثا: فى التكيف، إنّ أبرز الخطوات التى تسمح للتعلم فى إعداد التلاميذ للتكيّف مع الذكاء الاصطناعى، تكمن فى إنتاج منهاج تربوى عصرى مواكب لجميع هذه المتغيّرات.
يجب أن يُركّز هذا المنهاج على المهارات البشرية (التفكير النقدي، التواصل والتعاون والإبداع)، وعلى القدرة فى التعاون مع أدوات الذكاء الاصطناعى المنتشرة فى الحياة والتعليم والعمل.
ومهما كانت وتيرة التطور، بطيئة أم سريعة، سيأتى اليوم الذى تتغير فيه طبيعة العمالة، الأمر الذى سيؤثر فى آلاف العمال بشكل كبير، وسيتعين على الكثير منهم إعادة التدريب أو استبعادهم من العمل.
وبذلك، ولضمان عدم تفاقم المشكلات الاجتماعية، وعدم المساواة بين الأفراد، لا بد من وضع سياسات تشبه «محو الأمية فى عملية الذكاء الاصطناعى»، وسيضْطلع المعلمون بدَور رئيس فى توفير التعليم وتعزيز مفهوم التعلُّم مدى الحياة القادر على تقليص الفجوات الاجتماعيّة.
• • •
لقد أصبح من الضرورى على وزارات التربية فى الدول العربية مُواكبة هذا التطور لتلبية متطلبات التعليم فى عصر الذكاء الاصطناعى. تتفاوت استجابة وزارات التربية لهذه المتطلبات بناء على العديد من العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، التكنولوجية والسياسية. فقد بدأ العديد من الدول العربية بتحديث مناهجه الدراسية لتشمل موضوعات الذكاء الاصطناعى، البرْمجة والروبوتات. ومع ذلك، لا يزال هذا الجهد غير متوازن فى جميع الدول، حيث تعانى بعض الدول من نقْص فى الموارد والبنية التحتية اللازمة.
وبالتالى لابد أن تتوجه السياسات التربوية نحو التعليم المنصف للجميع، القائم على توفير جميع المتطلبات التى باتت أساسية وملحة لبناء أجيال عصرية وحضارية وعالمية.


نديم منصورى
مؤسسة الفكر العربى
النص الأصلى:
https://bitly.cx/ME9Hc

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved