قلة ذوق
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 22 أكتوبر 2009 - 8:47 م
بتوقيت القاهرة
انتهت فعاليات كأس العالم للشباب التى أقيمت فى مصر الأسبوع الماضى، وانتهى دور منتخبنا فيها قبلها بأيام، ربما لن يتذكر الكثيرون منا اسم أى من لاعبى المنتخب إلا عن طريق تلك الحملة الإعلانية «الجبارة».. عشان تعرفوهم روحوا شجعوهم (وياريتنا ماروحنا الحقيقة) المهم.. الحملة الإعلانية أصابت الكثيرين منا بحالة من التعجب وأصابت البعض الآخر بحالة من الغضب، فقد كان الشعار الخفى لكل إعلان من إعلانات الحملة هو: «لو كنت تعرفهم ماكنتش عاملتهم بالجليطة دى يا بأف» وهنا ساد الشعور بالثورة والغضب لدى البعض.. ليه بأه إن شاء الله؟.. واشمعنى يعنى هم اللى يتعاملوا معاملة خاصة؟.. على رأسهم ريشة؟.. عشان لاعيبة كورة يعنى؟.. لأ بأه لازم يتعاملوا زيهم زينا.. المساواة ولا شىء إلا المساواة..
جميع الانتقادات كانت موجهة لترسيخ الحملة لمفهوم ضرورة المعاملة الخاصة لـ«نجوم المجتمع» من لاعبى الكرة والفنانين ووضعهم فى مكانة أعلى من الجميع.. الكل كان متفقا على أنه لابد من المساواة فى التهزيىء وتلقى المعاملة الخالية من الذوق اللى كان بيتلقاها كل لاعب فى الإعلان.. وماسمعتش حد بيعترض على أسلوب المعاملة من الأصل.. إحنا ليه بقى أسلوب التعامل السائد بينا هو قلة الذوق؟.. وليه بقينا راضيين بيه وبالنسبة لنا بأه شىء عادى.. وبنتلذذ فى تبادل التعامل بقلة الذوق وبرؤية الآخرين وهم بيتعاملوا بمنتهى الجليطة.. فى الأتوبيس فى المدرسة فى المطعم فى الإشارة فى الشغل فى البيت وأحيانا فى الجامع.. قلبة الوش والمعاملة من طرف المناخير والكلمة المقطومة والشخط وتبريق العينين والخبط بالكتف والصوت العالى ردا على أى اعتراض، والظاهرة منتشرة فى كل البيئات وكل المستويات، ده حتى صاحب أكبر منصب دينى فى البلد لما جه يعبر عن رأيه ويوجه طفلة صغيرة اتعامل بالشكل ده.. للأسف مافيش استثناءات.. كلنا كده، كلنا ضحايا وكلنا مجرمون.. طب ليه بنعمل كده فى بعض؟..
بالتأكيد الإجابة واضحة، الضغوط اللى بنعيشها كلنا والمخيمة على كل جانب من جوانب حياتنا بتخلينا عايزين نخرج الإحباط اللى جوانا على أى حد قدامنا، الغلاء والبطالة والواسطة والمحسوبية والفساد كفيلة بإنها تخلّى مواطنى بلاد كتيرة يولعوا فى بعض وفى البلد وبكده يبقى إحنا كتر خيرنا جدا، غياب التربية الصحيحة، بل إن كثيرا من الأسر بتعتمد طريقة «مطوتك فى إيدك» التعليمية الشهيرة والمتعلمين شوية بيعلموا أولادهم الحكمة الخالدة «كن ذئبا حتى لا تأكلك الكلاب».. الذوق رفاهية والواد المؤدب ده واد خيخة وبكره ياخد على قفاه.. فى إنجلترا الملكة قدمت اعتذارا رسميا لأسرة كانت بتفسح الكلب بتاعها وعربية الملكة عدت جنبهم بسرعة أزعجت الكلب..فى السويد لو دست على قدم شخص ما فالعادة إنه هيقف يعتذر لك إن قدمه نزلت تحت قدمك غصبا عنه.. فى اليابان،اليابانى غالبا هيقف يعتذر لك عن إنه ربما يكون اعتذرلك أكتر من اللازم.
أما أنا ففى مرة من المرات كنت بأمارس مصريتى وباشترى ساندوتشات فول وطعمية والعامل كان كالعادة بيحدفلى الساندوتشات وأنا المفروض آخدها واحد واحد فى حضنى، وللأسف ولأنى لا أمتلك جينات عصام الحضرى، فلت واحد منى ووقع على الأرض، فتوقعت إن الموقف هينتهى النهاية الطبيعية فى الحالات اللى زى دى، بإن العامل هيلبسنى طبق الفول فى وشى، أو هيدينى دش زيت حار، لكن فوجئت بيه بيبصلى ويقوللى: سيبيه هاجيبلك غيره.. تصدقوا من كتر التأثر حبك علىّ العياط؟..هو احنا ممكن نحاول إن الذوق مايبقاش تصرف نادر فى حياتنا؟..ممكن مثلا النهاردة تبتسم فى وش سواق التاكسى وهو بيوصلك..ممكن تدى تباع الميكروباص الفلوس وانت بتقول له شكرا؟.. ممكن لو خبطت واحد فى الشارع تقف تعتذر له؟.. ممكن لو طلبت نمرة غلط تقول للطرف التانى مع السلامة قبل ما ترزع السماعة فى وشه؟.. ممكن تقوم لحد كبير فى المترو؟.. مرة واحدة بس فى الأسبوع أنا عارفة إن أكتر من كده كتير عليك.. ممكن لو انت مدرس تعامل التلاميذ بالحسنى؟.. ممكن لو انت صاحب شغل تسلم ع الموظفين بود.. ممكن لو انت موظف ما تعاملش الناس بقرف.. ممكن مرة تشترى بجنيه لبان ولما تشوف ابن البواب تديله واحدة؟..
معلش.. تعال على نفسك مرة واحدة بس.. صدقنى هتحس بآدميتك وهنوقف الدايرة دى قبل مانتحول كلنا لمجتمع يعيش داخل غابة ويتصرف أعضاؤه كمجموعة من الحيوانات.