ماذا تعنى المدرسة؟
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
شاركت فى عدد من اللقاءات فى الفترة الأخيرة دارت فى مجملها حول الشباب، وتطرق كثير منها إلى أهمية نشر ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز المواطنة، وضرورة المشاركة فى مؤسسات صناعة القرار، أى أن الحديث برمته يرى أهمية الرهان على الشباب فى الفترة المقبلة، ويتسق ذلك مع توجهات الدولة فى السنوات الأخيرة من ناحية، ومع الاتجاه العالمى للتنمية المستدامة الذى يتحدث عن حق الأجيال القادمة فى التنمية. ورغم هذا الاتجاه، فإننى لم أرَ فى تصريحات وزير التربية والتعليم أى حديث عن التربية المدنية، أى التكوين الأساسى للنشء حتى يصبح مشاركًا وفاعلًا فى المجتمع أسوة بما يحدث فى التجارب الدولية، التى تسعى دائمًا إلى الإفادة من مرحلة الطفولة المبكرة فى تشكيل وجدان ووعى الشخص على مفاهيم وممارسات الخدمة العامة، والمشاركة، والانفتاح على المجتمع من خلال المشاركة فى المجتمع المدنى. كل ما لاحظته فى الفترة الأخيرة هو تصريحات حول مضمون العملية التعليمية، وهو ما أثار جدلًا ولغطًا، لكنى لم أرَ فى توجهات وزارة التعليم أى منحى تجاه التكوين الفكرى للنشء.
لا أعرف هل هذا مقصود لا سيما أننى لم أرَ ذلك أيضًا - والحق يُقال - فى توجهات وزيرى التربية والتعليم السابقين؟ إذا كان الأمر بالنسبة للوزارة مسألة ترتيب أولويات، وترى أن العملية التعليمية تجب أى محاولات للتكوين الثقافى والاجتماعى والوطنى للنشء، فإن هذه مشكلة بالفعل، ولكن إذا كان الأمر مقصودًا، وهناك تقليل من أهمية التربية المدنية من حيث المبدأ فى المؤسسة التعليمية نصبح أمام أزمة حقيقية. والسبب باختصار أن المجتمع المصرى يواجه تحديات، وأمامه فرص، أهم تحدى هو التطرف ومشتقاته، وأهم فرصة هى التنمية وبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، وكلا الأمرين بحاجة إلى وعى يزرع فى النشء منذ الصغر. إذا أردنا أن نواجه التطرف، وكم ابتليت به المدارس، وأعلنت الدولة الحرب عليه، فإن المسلك المستدام هو تكوين النشء على التسامح، والتفكير العقلانى، ورفض التشدد والغلو، وقبول الآخر، والمشاركة، واحترام التنوع، فإن ذلك يشكل الحصانة الآمنة فى مواجهة التطرف، استنادًا إلى التحصين الذاتى للنشء، وليس بموجب إجراءات حكومية تشتد حينًا وترتخى أحيانًا حسب مستوى التحديات. وينطبق نفس الأمر على التنمية، فإن غاية المجتمع المصرى هو تحقيق «التنمية»، وبدونها تتقوض فرص المجتمع فى مستقبل أفضل، والتنمية الجادة لا تتحقق، ولا تُصان إلا بمشاركة النشء والشباب فى جهود ومشروعات التنمية، عن اقتناع ووعى بأنه صاحب هذه التجربة، وهو الرابح منها، لأنها تصنع له مستقبل أفضل.
وهكذا، عند مواجهة التحديات واستلهام الفرص، لا بديل عن تكوين مدنى حقيقى للجيل الصاعد، يبدأ من المدرسة، ويتعمق فى الجامعة، وإذا لم يتحقق ذلك، فإن هناك خطرًا على جهود الدولة المتلاحقة لمواجهة التطرف وتحقيق التنمية. من هنا فإننى بالفعل استغرب من غياب التربية المدنية فى المدارس، وعدم إعطائها أولوية، رغم أن توجهات الدولة فى المشاركة والتنمية ومواجهة التطرف تتطلب ذلك.