الطلاب العرب يعيشون صراعًا دائمًا وجوًّا إرهابيًّا!

قضايا يهودية
قضايا يهودية

آخر تحديث: الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 - 8:20 م بتوقيت القاهرة


«لا نريد عربًا فى المدرسة»- هتاف انطلق من حناجر عشرات الطلاب وصدح فى حرم مؤسسة تعليمية رسمية (حكومية)، وترددت أصداؤه خارج جدرانها لتملأ فضاء المدينة كلها. وقد حدث هذا قبل نحو أسبوعين، لدى عودة الطالبة العربية (13 عامًا) إلى المدرسة التى تتعلم فيها (المدرسة الشاملة زيلبرمان) فى مدينة بئر السبع، بعد أيام الإبعاد عن الدراسة التى فرضتها عليها إدارة المدرسة، عقابًا لها على رأيها الذى عبّرت عنه خلال حصة تدريسية فى موضوع الجغرافيا فى صفّها التعليميّ وقالت فيه إنه "فى غزة أيضًا يُقتَل أناس أبرياء، بينهم أطفال.. فى غزة يوجد أطفال يُقتَلون ويعانون من الجوع وبيوتهم قد تهدّمت! وذلك فى تعقيبها على ما شرحته المعلّمة أمام طلاب الصف، عن أحداث السابع من أكتوبر 2023. غير أن المعلّمة اعتبرت رأى الطالبة العربية تحريضًا على الجنود الإسرائيليين ثم غادرت الصف تاركة الطالبة إياها وحيدة بين زملائها الطلاب اليهود الذين بدأوا بشنّ هجوم واسع ضدّها فى المدرسة وهم يرددون هتافات عنصرية، من بينها لتحترق قريتكم وأنت حماس، إرهابية، إضافة إلى الشتائم الشخصية البذيئة. ثم اتسع الهجوم العنصرى الإرهابى ضد الطالبة العربية فانضم إليه عشرات آخرون من طلاب المدرسة، فاق عددهم الـ13 طالبًا.
فى أعقاب هذه الحادثة فى هذه المدرسة، تغيب عدد كبير من الطلاب العرب الذين يتعلّمون فيها بسبب الجو الإرهابى الذى ساد هناك، لكنهم حين عادوا إلى مدرستهم، واجهوا أجواء قاسية ومشحونة جدًا وسط موقف عنصرى متواطئ ومشجِّع من جانب إدارة المدرسة، كما من جانب إدارة بلدية بئر السبع التى رفض رئيسها، روبيك دانيلوفيتش، بشكل تظاهرى، إدانة ما تعرضت له الطالبة وعائلتها، سكان المدينة، من هجوم وحملة تحريض، كما رفض التطرق إلى موقف نائبه، ثم رفض الناطق بلسان البلدية الرد وتفسير سبب صمت رئيس البلدية ورفض أيضًا إعطاء أى معلومات عن عدد الطلاب العرب فى مدينة بئر السبع وكم منهم يتعلمون فى مدارس يهودية فى المدينة.
• • •
أجرى مركز شومريم تحقيقًا صحفيًا حول الأوضاع بين الطلاب العرب واليهود فى المدارس فى المدن المختلطة، نشره على موقعه (بتاريخ 10 أكتوبر) أوضح فيه، بداية، أن التستر على هذه المعطيات حول عدد الطلاب العرب فى مدينة بئر السبع وما يخلقه من بلبلة فى هذا الشأن لا يستويان مع الحقيقة التى يعرفها كل من يسكن فى هذه المدينة - أن غالبية العائلات العربية التى ينخرط أبناؤها وبناتها فى جهاز التعليم اليهودى فى المدينة هى من شمال البلاد، أصلًا، انتقلت إلى النقب للعمل والتعليم، لكن التقديرات تشير إلى أن عدد هؤلاء الطلاب يزيد على 700، وهو -فى الحد الأدنى- يعادل نحو 10 بالمائة من مجمل عدد الطلاب فى مدارس المدينة. ويردّ التقرير تهرّب البلدية الفعلى من الكشف عن المعطيات الحقيقية إلى الخوف من أن يكون ردّ الفعل على التغيرات الديمغرافية الحاصلة فى المدينة الجنوبية سلبيًا وقاسيًا لدى 67 بالمائة من سكان المدينة الذين صوّتوا للأحزاب الشريكة فى الائتلاف الحكومى الحالى فى إسرائيل!
ويبيّن تقرير نشره مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلى، فى أبريل الأخير، أن 1,3 بالمائة فقط من مجموع الطلاب العرب فى البلاد تعلّموا، فى العام 2023، فى مدارس مختلطة، يهودية ـ عربية. وهذا بعد الزيادة بنسبة 60 بالمائة التى حصلت خلال العقد الأخير فى عدد الطلاب العرب الذين يتعلمون فى مدارس عبرية، من بين مجمل الطلاب فى تلك المدارس: من 3,336 طالب عربى فى العام 2014 إلى 5,399 طالب عربى فى العام 2023 فى البلاد عامة، نصفهم تقريبًا كانوا يتعلمون فى المدن المختلطة.
• • •
وفقًا لما تقوله عدى جلبواع، مديرة موضوع التعليم فى "معهد مرحَفيم لتعزيز المواطَنة المشتركة"، فإنّ 5 بالمائة من الطلاب الذين يتعلمون فى 42 مدرسة رسمية يهودية (مختلطة) هم طلاب عرب، وإن نسبة الطلاب العرب فى 21 مدرسة من هذه المدارس تزيد حتى عن 10 بالمائة. وتوضح أن المدارس اليهودية التى يشكل الطلاب العرب 5 بالمائة، على الأقل، من مجموع الطلاب فى كل منها تسمى، فى الأدبيات البحثية فى هذا المجال، «مدارس مختلطة ظَرْفِيًّا»، بمعنى أن الظروف فى المدن المختلطة هى التى قادت إلى هذا الاختلاط فى المدارس، خلافًا للمدارس ثنائية اللغة التى كانت الأيديولوجيا هى الدافع والمحرك لإقامتها. وترى د. نتالى ليفى، الأستاذة فى قسم السياسة والحُكم فى جامعة بن جوريون فى بئر السبع، والتى أعدّت أطروحتها لنيل الدكتوراه حول المدارس العبرية المختلطة، أن هذه ظاهرة شاذة، لأنّ الأهالى اليهود يشعرون بأن هذا الواقع قد فُرض عليهم، خلافًا لرغبتهم. فهم لم يكونوا يرغبون فى مدرسة مختلطة، لكن هذا ما حصلوا عليه فى النهاية.
أما الأهالى العرب فقد كان هذا خيارهم منذ البداية، لإيمانهم بأن التعليم فى المدرسة اليهودية سيكون أفضل لأولادهم، لكن فى الحالتين ليس ثمة خطط مدروسة ومنظمة لتحقيق هذه الرغبات، لأن المدارس المختلطة لا تحتل حيزًا جديًا فى عمل وزارة التعليم. وتضيف: إن الأمر الوحيد الذى يضمن بقاء هذه المدارس وعملها هو أن نسبة الطلاب اليهود فيها مرتفعة جدًا. وأستطيع أن أجزم لك بأنّ أى مدرسة مختلطة تبلغ فيها نسبة الطلاب العرب 70 بالمائة من مجموع طلابها سوف يجرى إغلاقها على الفور، لأن معنى ذلك هو أن السكان اليهود قد هربوا من هذه المدرسة وسيكون من الصعب جدًا ممارسة الرقابة عليها كمدرسة يهودية.
وتزداد حدة الصراعات بين الطلاب العرب واليهود فى المدارس المختلطة فى المناسبات القومية الرسمية بشكل خاص، لا سيما يوم الذكرى لقتلى الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية، ويوم استقلال إسرائيل، وذكرى يوم الكارثة والبطولة (الهولوكوست) وغيرها، والتى يُطلب من الطلاب فيها إنشاد النشيد الوطنى الإسرائيلى، إضافة إلى الحصص التعليمية حول مواضيع تخص قيام دولة إسرائيل والمواطَنة فيها.
تقول إحدى الأمهات العربيات التى تتعلم ابنتها فى مدرسة مختلطة فى إحدى المدن المختلطة: «اختارت ابنتى تعلّم موضوع العربية فى المدرسة، لكنها اكتشفت أنهم يتعلّمون لغة عربية استخباراتية فقط، بينما كانت تعتقد أنهم سيتعلمون الأدب والشعر ولم تفهم لماذا يعرضون أمامهم شريط فيديو عن كيف اغتال الموساد الإسرائيلى أبوجهاد (خليل الوزير) فى تونس.. ما علاقة هذا بطلاب فى الصف العاشر؟».
وتضيف الأم: «هل سمعتم ببرنامج «الآخر هو أنا»؟ عند تعليم هذا البرنامج والعمل عليه فى المدارس المختلطة تبين أن الآخر هو أنا، طالما كان يهوديًا.. لا وجود ولا مكان لآخر ليس يهوديًا. الآخر من ديانة أخرى أو من قومية أخرى هو خط أحمر. الآخر الذى يتحدثون عنه هو الصدع القائم بين المتدينين والعلمانيين، اليهود طبعًا، بينما يبقى الطلاب العرب شفافين غير مرئيين، لا من حيث احتياجاتهم ولا من حيث هويتهم المركّبة كعرب وكمواطنين فى الدولة".

سليم سلامة
المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار)

النص الأصلى:
https://tinyurl.com/yc7mkw72

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved