المعادلة الصعبة
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
الإثنين 22 نوفمبر 2010 - 10:18 ص
بتوقيت القاهرة
خلال الساعات القليلة الماضية، بدأت تظهر على جسد العملية الانتخابية أعراض المرض العضال، الذى يفتك بالحياة السياسية فى مصر منذ عقود.. لنجد أنفسنا أمام مشهد يتكرر كل مرة، ويلفت أنظار العالم إلى نموذج ردىء من الانتخابات لا يحدث إلا فى دول العالم المتخلفة.. مشهد العنف، وسفك الدماء، واستخدام القنابل المسيلة والحجارة، فى مسيرات لا تلبث أن تنتهى إلى اعتقال أفرادها بعد صدام عنيف مع الشرطة.. وكأن هذا هو كل ميراث عملية ديمقراطية استغرقت ثلاثين عاما من أزهى عصور الحرية!
كانت ملاحقات الشرطة فى المرحلة السابقة أثناء تقديم أوراق الترشيح موجهة إلى عناصر الإخوان الذين يرفعون شعارات غير قانونية مثل «الإسلام هو الحل»: وذلك على الرغم من صدور أحكام قضائية تنفى عدم مشروعيتها.. أما الآن وقبل أيام قليلة من إدلاء الناخبين بأصواتهم يوم الأحد المقبل، فقد اتجهت جهود الإدارة إلى المعارضة بكل أشكالها وتنويعاتها سواء من الإخوان والمستقلين أو من أحزاب المعارضة الأخرى. وكان طبيعيا فى مثل هذه الأجواء، أن تقع اشتباكات بالسلاح بين أنصار المرشحين المتنافسين.
وزاد العبء على الشرطة لاعتقال المئات من المتظاهرين الذين تجمعوا فى مسيرات التأييد. تقبض عليهم الشرطة من هنا وتفرج عنهم النيابة من هناك.. ولا أحد يدرى كيف ستنتهى هذه اللعبة المأساوية حين تتجه الجهود لمنع الناخبين أنفسهم من دخول الدوائر والإدلاء بأصواتهم لمرشحين معارضين أفلتوا من الحصار.
ولكن يرد المسئولون فى الحزب الحاكم عن الانتقادات التى توجه إلى طريقة إجراء الانتخابات فى مصر. وما تنطوى عليه من ترهيب وإجراءات تعسفية، بأن مشاركة خمسة آلاف مرشح من مختلف الأحزاب والقوى السياسية هو دليل على ثقة الشعب فى التطور الديمقراطى وعمق الإيمان بثقافة المشاركة.. ولكن هل مشاركة هذه الأعداد الزائدة من المرشحين الذين جرى استبعاد نسبة كبيرة منهم بحجج غير قانونية، تكفى للدلالة على نزاهة الانتخابات وسلامة إجراءاتها وحياد القائمين عليها؟
الثابت من التجربة حتى الآن، أنه لم يطرأ تغيير يذكر على طريقة إجراء الانتخابات رغم التعديلات الدستورية والقانونية التى أدخلت عليها. فالمرشحون لا يخوضون المعركة استنادا إلى برنامج سياسى أو قضية يدافعون عنها أو مشكلة جماهيرية يتصدون لعلاجها. بل يعتمدون على المساندة الرسمية التى يرتبها الحزب الحاكم عن طريق الأجهزة الإدارية والمحلية.
أو يتمسكون بعصبيات وانتماءات قبلية وعائلية. فإذا لم يكن هذا أو ذاك كانت شنط رمضان وهدايا اللحوم وشكاير الأرز والأموال الانتخابية من رجال الأعمال هى الخيار الأخير فى هوجة انتخابية لا يعرف الشعب أولها من آخرها.
ولهذه الأسباب يظل تأثير الإعلام محدودا إلا بقدر ما تعكسه الصور التليفزيونية من مشاهد القمع والعنف والاعتقال التى تنقلها محطات أجنبية. والمثير للدهشة أننا ونحن على أبواب التصويت للمرشحين، لم نشاهد حوارات أو مناقشات بين مرشحين من الوطنى وأى من أحزاب المعارضة أو المستقلين حول القضايا الخلافية. أو السياسات الاقتصادية والخارجية. بل ظهر كل حزب برئيسه لامع الوجه، مكتمل الأناقة، ليتحدث عن طموحاته الحزبية.
ومن هنا، فسوف تظل مشاركة الناخبين فى الذهاب إلى صناديق الاقتراع محدودة، وسوف تظل ظاهرة عزوف الأغلبية الصامتة من الناخبين هى الغالبة. إذ يكفى أن يشاهد الناخب مناظر الصدام والعنف بين الشرطة والمسيرات الانتخابية حتى يقرر إيثار السلامة والبقاء فى منزله يوم الانتخابات.
ومعنى ذلك أن المعادلة الانتخابية تظل دائما وأبدا فى صالح الحزب الحاكم. فالعنف الأمنى الذى يكاد يصبح طرفا أساسيا فى الانتخابات، يؤدى فى المحصلة النهائية إلى إحجام أغلبية الناخبين العاديين عن المشاركة.
وكلما قلت نسبة الناخبين الذاهبين إلى صناديق الاقتراع، كلما زادت فرص الفوز للحزب الوطنى ومرشحيه.. وهذه هى المعادلة الصعبة التى أدمن بها حزب الأغلبية الفوز فى كل انتخابات أجريت حتى الآن!