دماء «جيكا» فى رقبة الرئيس
وائل قنديل
آخر تحديث:
الخميس 22 نوفمبر 2012 - 10:09 ص
بتوقيت القاهرة
مهما كانت الظروف والملابسات المحيطة باستشهاد الشاب الصغير جابر صلاح الشهير باسم جيكا حتى الآن هو ميت إكلينيكيا فإن ما جرى معه وثيقة إدانة للنظام الحالى، ودليل على أن عقيدة القتل وسفك الدماء مازالت مسيطرة على المؤسسة الأمنية.
سيقال إن المظاهرات اتخذت منحى عنيفا، وسيرددون أن مجهولين اندسوا وطرفا ثالثا حضر، وكائنات غريبة أفسدت المشهد، غير أن ذلك كله لا يبرر إراقة دماء وحصد أرواح، بطريقة القنص ذاتها التى أظهرت منتهى الانحطاط الإنسانى فى التعامل مع المتظاهرين.
ولا يكفى هنا أن يتحجج بعضهم بأن الشرطة أصدرت بيانا استباقيا قبل أيام تحذر فيه من عناصر تم رصدها تخطط لأعمال عنف ضد المنشآت والأفراد.. ولا يكفى أيضا الكلام عن أن الجغرافيا البشرية لموقع الأحداث كانت مختلفة وأن الخريطة اشتملت على عناصر غريبة، فالذى حصل فى نهاية الأمر أن شابا من الثوار، يتداول أصدقاؤه على مواقع الإنترنت صورة له وهو يرقص فرحا احتفالا بإسقاط مرشح الثورة المضادة، وإنجاح الدكتور محمد مرسى، هذا الشاب قتل بسلاح الشرطة، وفى عداد الأموات إكلينيكيا الآن.
وبصرف النظر عن أن أطرافا كانت تتحرق شوقا لعناوين فاقعة عن سقوط شهيد للثورة فى عصر النظام الجديد، فإن ما جرى جريمة تلحق العار بنظام كامل، الأمر الذى يضعه فى اختبار عملى عليه أن يثبت فيه أنه ليس امتدادا لقمع مبارك ونظامه.. والمطلوب الآن إجابة واضحة عن سؤال يتعلق بثمن دم المواطن المصرى فى عهد رئيس منتخب، وهل اختلف عن ثمنه فى ظل نظام قامت ضده الثورة ؟ أم أن شيئا لم يتغير، ولاتزال ماكينة امتهان كرامة المصريين تعمل بكامل طاقتها؟
لقد خرج المتظاهرون فى ذكرى موقعة محمود طلبا للقصاص لدماء الشهداء، وإصرارا على محاكمة القتلة وتطهير مفاصل الدولة منهم، ولذا ينتظر الجميع رد النظام الجديد على هذه الأسئلة والمطالب القديمة التى لا تزال مهملة، ولا تلقى تعاملا جادا معها.
إن جهاز الشرطة فى البلاد المحترمة لا يتعامل مع المظاهرات، مهما بلغ عنفها، بالقتل وسفك الدماء، فما بالنا والإصابات الظاهرة فى جسد الشهيد الصغير تؤكد أن هناك إصرارا على قتله باستهدافه فى مناطق مميتة.. ولا يصح أبدا أن يحاول أحد التحجج ــ التبجح بالأحرى ــ بأنه لم يطلق عليه رصاصا حيا، وإنما الخرطوش، لأن الهدف فى النهاية واحد وهو الإجهاز على حياة متظاهر نزل إلى الميدان مطالبا بدم زملائه من الشهداء.
ومن الواضح أن تطهيرا مطلوبا فى المؤسسة الأمنية لم يتم، بل حدث العكس حيث كوفئ المتهمون بالقتل وجرت ترقيتهم، حتى الذين خرجوا فى الحركة التى سميت تطهيرا فى عهد الوزير منصور العيسوى عادوا إلى مواقعهم بأحكام قضائية.
ومادامت الإجراءات الثورية غائبة أو مغيبة، ومادام المنهج المتبع هو التلفيق والتوفيق والتهجين بين جديد ما بعد الثورة وقديم ما قبلها وأدى لاندلاعها، فإن دماء كثيرة سوف تسفك، ونزيفا فى مصداقية النظام سوف يستمر.