برلنتي
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 22 نوفمبر 2019 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
هذا فيلم غريب، أنتجه وأخرجه وقام ببطولته يوسف وهبى للمرة الثانية أمام المطربة نور الهدى عام 1944، ومن الواضح أنه أراد الاستفادة من النجاح الملحوظ لفيلم «جوهرة» الذى تم إنتاجه فى العام الأسبق، وكان هو أول من اكتشفها، ودعاها إلى مصر، وهى واحدة من المطربات اللائى تركن أثرا كبيرا فى السينما الغنائية، تكاد تقارب مكانة ليلى مراد إلا قليلا.
أقارنها بليلى مراد ما يثير الدهشة، لكن هناك تقاربا ملحوظا بين البداية فى الفيلم الذى نتحدث عنه، وبداية فيلم «غزل البنات» الذى عرض بعد خمس سنوات. وأستطبع أن أؤكد أن المشهد المقصود فى «جوهرة» كان اكثر جاذبية بالطبع، فهنا يبدأ المشهد بجامعة فؤاد الأول. تخرج مجموعة من البنات فى زى أبيض، وشورتات قصيرة، وأشهد أنها غير ساخنة، يركبن دراجات، وينطلقن عائدات إلى بيوتهن، وجوهرة تغنى اغنية مبهجة طويلة تنادى فيها بنات الجامعات، يركبن الدراجات وتبدو شوارع المدينة بالغة الجاذبية، تجعلك تتمنى لو نعود إلى الزمن نفسه، ولا أريد المقارنة مع مشهد ليلى مراد وهى تتمايل مع الخيل فى «غزل البنات»؛ لأنه الأكثر بقاء ومشاهدة، ومن الواضح أن أنور وجدى أراد تقليد أستاذه لكنه لم يتفوق عليه وإن بقى فى الذاكرة بشكل أكثر قوة.. وسارت نور الهدى فى طريقها الفنى تنافس ليلى مراد.. فكانت تعمل مع نفس المخرجين أو الابطال ومنهم محمد فوزى وأنور وجدى، ولحن لها نفس الملحنين ومنهم محمد القصبجى وعبدالوهاب.
وسوف أذكر مشهدا آخر فى الفيلم إلى من يفخرون انهم يحبون وطنهم لنتعرف على ما تمناه المحامى الشاب سامى لوطنه، وهو يتكلم عن مصر التى يحب أن تكون، دعونى انقل لكم ما قاله للمقارنة بين ما نعيشه فى السنوات الحالية؛ حيث يقول المحامى الشاب لسيدة المجتمع: «والله يا سميحة هانم انا لى فى البلاد دى آمال عظيمة، أتمنى لو تحققت أتمنى لو أغمض عينى وافتحها أن أجد مصر وقد صارت كقطعة من أوروبا، ازدهرت فيها الصناعات.. كفاية بقى التمسك بمجد الماضى، والمعيشة على فتات مجد السلف.. عاوزين يكون لنا مجد جديد بتفق مع الزمن والعصر الحديث، مش عاوز اشوف كتل اللحم البشرية فى الغربيات، وبقايا الخس تشوه جمال الشوارع، عاوز أرتقى بنظام السجون واجعلها مكانا للاصلاح والتهذيب، عاوز توحيد الزى وتعليم البنات، عاوزين كمان يكون لنا اساطيل تجارية وحربية، عاوز أحقق حلمى فى المرأة المصرية واشوفها وهى بتغرس فى اولادها حب الوطن، والفداء من أجله، وحب الوطن والفداء بالدم واجعل شعارى بلدى فوق الجميع.
وقد ألقى سامى هذه الكلمات مرة واحدة وهو جالس أمام سميحة هانم كأنه يرسم لجميع الحكومات التالية خريطة الطريق للمستقبل.
من الواضح أن يوسف وهبى أراد بقوة استعادة القبول الذى تمتع به فيلم «جوهرة»، فالبرلنت والزبرجد أحجار تلمع، والمطربة الممثلة حولها يوسف وهبى من ألكسندرا بدران إلى نور الهدى التى صارت فى الفيلمين مطربة تغنى فى الصالات، وهى مهنة للتعيش، ولذا فإن نور الهدى لم تكف عن الغناء، هناك أغنية حزينة فى السجن مدتها سبع دقائق، وهذا أمر مبالغ فيه للسينما المصرية، خصوصا أننا لسنا أمام استعراض، وأن الفتاة تغنى وهى منتكسة فى الزنزانة، لكن الناس فى تلك السنوات كانوا يميلون إلى مشاهدة الاغنيات السينمائية، وهكذا نحن أمام فيلم غنائى، فيه أحداث أكثر جاذبية، وشخصيات أكثر عددا، على رأسهم أيضا أمينة رزق التى جسدت دور سميحة هانم الثرية التى تتبنى موهبة برلنتى التى تزوجت المحامى الشاب، وأيضا قامت بفتح جريدة له كى يحقق حلمه لبلده، ويبدو أن العاطفة غلبت المصلحة، ما جعل الزوجة تشعر بأن عليها أن تتنازل للمرأة الثرية عن زوجها، بعد أن سمعت منها ان سامى هو نموذج للرجل المتكامل المنشود، فتختلق مشهدا تمثيليا يوحى ان برلنتى خائنة، وفيما بعد فإن المرأتين تتنافسان فى السلوك النموذجى؛ حيت تقوم الهانم بانقاذ غريمتها، أو فلنقل صديقتها، من حبيب سابق أراد انتهاكها فطعنته سميحة، وهربت متخفية، وقامت الزوجة بالاعتراف كذبا انها القاتلة انقاذا لها، وفى المشهد النهائى فإن الزوج المحامى يشهد أن زوجته الجديدة هى القاتلة الحقيقية، وأن عليه إنقاذ المرأتين من المصير الذى ينتظرهما، وهكذا نرى السلوك النبيل من جميع الأطراف، وأننا امام شرير واحد فقط سرعان ما نال جزاءه، لنعرف الفوارق بين سلوك ابطال تلك الحقبة وزماننا.
لا ننسى أن نذكر أيضا أنه فى مشهد المحاكمة كالعادة فإن صورة الملك فاروق كانت تتصدر الخلفية وراء منصة القضاء ما يوحى اننا أمام نسخة مرممة، واننا لسنا امام نسخة قام رقيب بتشويهها، كما أن من يرغب فى مشاهدة اليوتيوب عليه أن يعرف أن نسخة الفيلم موجودة بالخطأ تحت اسم فيلم آخر ليوسف وهبى هو «غدر وعذاب»، وأن النسخة الموجودة ناقصة، والبكرات فيها غير مرتبة بشكل صحيح او متكام، أما النسخة الثانية فهى مقسمة إلى احد عشر من الاجزاء المتتابعة، وبالطبع فإنها النسخة الأفضل الانسب للمشاهدة.
يجب ملاحظة أن يوسف وهبى وأمينة رزق فى الفيلم لم يستطيعا التخلى عن الأداء اللغوى المسرحى الذى كانا يفعلانه فى تلك الفترة، بمعنى أن أغلب الحوار كان أقرب إلى الفصحى، وقد فعل ذلك أيضا الممثلون المشاهير فى تلك الفترة ومنهم محمود المليجى، وعبدالعليم خطاب، وفؤاد شفيق.