فرص ومخاطر.. العلاقات التركية الأمريكية إلى أين خلال ولاية ترامب الثانية؟


قضايا إقليمية

آخر تحديث: الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 6:35 م بتوقيت القاهرة

 

هنأ الرئيس التركى رجب طيب أردوغان نظيره الأمريكى الجديد دونالد ترامب بعدما أظهرت المؤشرات الأولوية لنتائج التصويت كونه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة فى ولاية ثانية غير متصلة، ولم يكتفِ أردوغان بدبلوماسية «إكس» التى يُفضلها ترامب، وإنما فضل أيضًا «دبلوماسية الهاتف» لينضم إلى قائمة الزعماء الذين أجروا اتصالات هاتفية مبكرة بالرئيس الأمريكى الجديد. وتراقب تركيا حاليًا عن كثب الوضع فى البيت الأبيض وأركان الإدارة الجديدة وسط تصريحات متفائلة، حيث تتطلع لأن تحمل إدارة ترامب أفقًا لإحراز تقدم بشأن موضوعات العلاقات الثنائية. وفى هذا الإطار، تناقش الورقة القضايا والملفات الرئيسية بين البلدين وتطلعات تركيا تجاه ترامب بعدما تعرّج سريعًا على الخبرة التركية مع ترامب خلال إدارته الأولى.

لطالما مالت أنقرة إلى الإدارات الجمهورية فيما عدا فترات تاريخية مُحددة فضلت خلالها الحزب الديمقراطى ويتعلق الأمر باعتبارات تتعلق بميل الإدارات الديمقراطية للتلويح بالقضايا الحقوقية مثل إبادة الأرمن وربط تطور العلاقات الاقتصادية بحالة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ومع ذلك، لا يعنى هذا أن العلاقات التركية الأمريكية سارت على نهج إيجابى خلال ولاية ترامب الأولى فقد تميزت ببعض الفترات المتوترة للغاية بين البلدين ولم يتمكن نهجهما من التغلب على الاختلافات البنيوية التى قوضت العلاقات لفترة طويلة؛ فهو الرئيس الأمريكى الذى فرض عقوبات على تركيا خمس مرات خلال أربع سنوات مما دفع اقتصادها إلى وضع أكثر صعوبة، مرتان بسبب قضية اعتقال القس الأمريكى برونسون، واثنان بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوى الروسية S-400 حيث اضطر للاستجابة إلى الكونجرس ذى الأغلبية الديمقراطية آنذاك لفرض عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا «كاستا» شملت إخراجها من برنامج تصنيع المقاتلات F-35، كما أن سياسات الحمائية التجارية التى يُفضلها ترامب ضمن نهج «أمريكا أولًا» أدت إلى إضعاف العلاقات التجارية نتيجة فرض واشنطن رسومًا جمركية على بعض المنتجات مثل الصلب والألمونيوم الأمر الذى خفض صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة بنحو 20% خلال عامى 2018 و2019، علاوة على عدم اتخاذه أى خطوات لتسليم أعضاء منظمة فتح الله غولن فى الولايات المتحدة.

ورغم ذلك، فإن أردوغان مستعد لفتح صفحة جديدة مع ترامب الثانية وفق أسس براجماتية، ولا يتعلق الأمر هنا بطبيعة القضايا الخلافية التى ظلت قائمة بين أنقرة والإدارات الأمريكية المتعاقبة وإنما القدرة على التواصل والحوار وتفعيل «الدبلوماسية الشخصية» إذ خلق الرئيسان علاقات شخصية وثيقة عززها إعجاب ترامب بشخصية أردوغان باعتباره زعيما قويا، ويعتقد صنَّاع السياسات الأتراك أن الرجلين يتقاسمان نهجًا مشابهًا فى إدارة الدبلوماسية والتعامل مع القضايا المعقدة ومن ثم فإن وجود قنوات اتصال مفتوحة بين البلدين يخلق فهمًا أفضل للقضايا المشتركة.

ومع ذلك، فإن التحديات البنيوية طويلة الأمد فى العلاقات الثنائية سوف تضع عقبات أمام تصفية الشوائب العالقة بينهما، فلا شك أن التواصل والحوار المباشر ليس كافيًا وحده لتصفية الملفات الخلافية، فالمواقف المتباينة تجاه القضايا السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، والسياسات المحتملة لترامب تجاه بعض القضايا مثل حرب غزة والأزمة السورية ودعم الأكراد، ستحمل تأثيرات سلبية على مسار العلاقات الثنائية، لاسيَّما أن ولايته الأولى حملت أخبارًا غير سارة لأنقرة بشأن القضيتين، فرغم حديث ترامب عن سحب القوات الأمريكية من الشمال السورى، واتخاذ خطوات متفرقة لتقليل الدعم لوحدات حماية الشعب، وإعطاء تركيا الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية عام 2019، تم التراجع بالأخير عن قرار سحب القوات الأمريكية واستمر دعم الأكراد. كما أن نهج ترامب المتشدد تجاه إسرائيل المتمثل فى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة إسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورى المحتل، والذى يتعارض مع سياسة تركيا لإظهار التضامن مع الفلسطينيين أثر سلبًا على مسار العلاقات.

• • •

عندما تقيَّم تركيا علاقاتها المحتملة مع الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب فإنها تنظر إلى مجموعة من القضايا الرئيسية والتطلعات التى تأمل فى تحققها، ومنها:

- الانسحاب الأمريكى من شرق الفرات ومستقبل دعم وحدات حماية الشعب: يبرز الموضوع السورى كقضية رئيسية على أجندة العلاقات التركية الأمريكية خلال عهد ترامب، ومن المؤكد أن الرئيسين سيخضعان معالجته إلى الصفقات المحتملة بشأن القضايا المشتركة، وربما أبطأت أنقرة عملية التطبيع مع الحكومة السورية ولم تُبرم أى صيغ تسوية نهائية بشأن الوضع الكردى انتظارًا لمعرفة ساكن البيت الأبيض الجديد، ومن المتوقع أن يطرح أردوغان على ترامب سحب حوالى 900 جندى أمريكى شرق الفرات والضغط لإيقاف دعم واشنطن العسكرى للأكراد، وإقامة منطقة عازلة فى الشمال السورى ومنح أنقرة سيطرة أكبر على الحدود، وربما يرُّوج أردوغان أهدافه فى سوريا ضد حزب العُمال ووحدات حماية الشعب لواشنطن من مدخل اتساقها مع سياسة واشنطن تقويض الأذرع الإقليمية والميليشيات، ومع ذلك، من غير المتصور تخلى واشنطن عن التعاون العسكرى مع أكراد سوريا لكن يُمكن منح تركيا دورًا أكبر هناك.

- الدور التركى فى الشرق الأوسط: تنظر تركيا إلى السياسات الأمريكية المتوقعة تجاه الشرق الأوسط بما فى ذلك تقليم أظافر الأذرع الإيرانية وإيقاف الحرب الإسرائيلية ضد غزة ولبنان باعتبارها فرصة لتمديد النفوذ الإقليمى، لاسيَّما أنها قد يُسمح لها ببعض الأدوار الوظيفية لتقويض الحضور الإيرانى فى سوريا والعراق بالنيابة عن الولايات المتحدة ضمن سياسة تفويض الحلفاء الإقليميين بدور أكبر فى تنفيذ السياسات الأمريكية، لاسيَّما أن الولايات المتحدة لا تعتبر تركيا تهديدًا لنفوذها فى الشرق الأوسط بحكم صيغة التحالف الاستراتيجى ضمن حلف شمال الأطلسى.

- تطوير الشراكة الدفاعية: تتسبب العلاقات الواسعة نسبيًا بين تركيا وروسيا والتى تصل إلى التعاون الدفاعى فى حساسيات بالغة للجانب الأمريكى، ولا تزال قضية شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوى الروسية S-400 إحدى القضايا الإشكالية فى العلاقات الثنائية، ورغم موافقة الولايات المتحدة مؤخرًا على بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا وهو ما اعتبره المسئولون الأتراك والأمريكيون خطوة مهمة لإعادة بناء الثقة فى العلاقات، إلا أن عودة تركيا لبرامج تصنيع المنظومات العسكرية المتقدمة مثل المقاتلات الشبحية F-35 لا تزال عالقة وستظل مرهونة بتخلى أنقرة عن المنظومة الروسية سواء بتخزينها والسماح بإجراءات تفتيش أو بيعها إلى طرف ثالث.

- توسيع العلاقات الاقتصادية: يُعتبر الاقتصاد أحد المحركات الأساسية للسياسة الخارجية التركية باعتبارها قضية داخلية مُلحة تُمثل أحد محددات مستقبل النظام السياسى، وبينما يُمكن أن يستفيد الاقتصاد التركى من الاستثمارات الأمريكية ومساعى إنهاء الحرب الأوكرانية، واحتمالية وجود مستويات أعلى من التعاون التكنولوجى مع الولايات المتحدة نظرًا لارتباطات وخبرات إيلون ماسك – الرئيس التنفيذى لشركة تسلا والذى أصبح أحد أركان إدارة ترامب الجديدة بعد تكليفه بقيادة وزارة مستحدثة معنية بالكفاءة الحكومية – السابقة مع أردوغان وتركيا، فإن الأخيرة تخشى أيضًا نهج العقوبات الاقتصادية إذا تدهورت العلاقات الثنائية مرة أخرة فقد ألحقت العقوبات السابقة خلال ولاية ترامب الأولى أضرار بالاقتصاد التركى وخلفت استياءً لدى أنقرة، كما تقلق أنقرة من التبعات الاقتصادية لسياسة الحمائية التجارية التى يُفضلها ترامب بينما تسعى لرفع معدلات التبادل التجارى مع الولايات المتحدة التى تُسجل حاليًا حوالى 30 مليار دولار.

- الدعم السياسى الأمريكى لأردوغان: يأمل أردوغان أن يدعم ترامب طموحاته السياسية فيما يتعلق بإجراء تعديلات دستورية يُمكن أن تُفضى إلى إعادة انتخابه مُجددًا رغم انتهاء المدد الدستورية المُحددة له بموجب الدستور الحالى بالنظر لإعجاب ترامب بشخصية أردوغان واعتباره من الزعماء الأقوياء، وذلك باتباع عدة سياسات بما فى ذلك تطوير علاقات اقتصادية إيجابية وضخ المزيد من الاستثمارات فى الاقتصاد التركى لاسيَّما أن العامل الاقتصادى لعب دورًا محركًا للناخبين لصالح المعارضة خلال الانتخابات المحلية الأخيرة فى مارس 2023.

• • •

ختامًا، رغم التفاؤل البادى على الساسة الأتراك بشأن عودة ترامب للبيت الأبيض، فإن العلاقات التركية الأمريكية مثقلة ببعض الصعوبات التى ما زالت قائمة، ومع ذلك فإن إعادة انتخاب ترامب يخلق فرصًا ومخاطر فى العلاقات الثنائية، فبينما قد تتعارض المخاوف الأمنية الإقليمية والمصالح الاستراتيجية لتركيا مع سياسات ترامب الموجهة نحو المصالح الوطنية، فإن العلاقات الشخصية الودية بين أردوغان وترامب قد يكون لها تأثير وقائى حتى وإن توترت بين الحين والآخر. وبصفة عامة، سوف تظل العلاقات التركية ــ الأمريكية محكومة بمعادلة دقيقة فقد تعرضت العلاقات لاختبارات عديدة، ووصلت فى بعض الأحيان إلى أدنى مستوياتها دون أن تصل إلى نقطة اللا عودة، حيث لن يُدير البلدان خلافاتهما بنهج عدائى، كونهما حليفين ضمن حلف شمال الأطلسى.

 

مارى ماهر

 

المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

النص الأصلي

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved