المعارضة الإيرانية ودور الخارج فى عهد أوباما

بسمة قضماني
بسمة قضماني

آخر تحديث: الثلاثاء 22 ديسمبر 2009 - 9:53 ص بتوقيت القاهرة

 لقد تراجعت عمليا القوى الخارجية عن برامج دعم التغيير الديمقراطى فى الدول ذات أنظمة الحكم التسلطية ولم تتراجع الحركات المعارضة عن مناقشة إيجابيات وسلبيات التدخل الخارجى فى الشأن السياسى الداخلى.

إن الاحتجاجات التى تلت الانتخابات الرئاسية فى إيران نقلت هذا النقاش من الساحات العربية إلى الدولة الفارسية الإسلامية، حيث خرج إلى الشوارع طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس، فتيانا وفتيات، يلونون أربطة أحذيتهم بالأخضر ونساؤهم محجبات بشكل مهمل، بينما الشباب يلبسون الحجاب الأخضر بسخرية تحديا للنظام. إنهم يمثلون طبقات مختلفة فى المجتمع يقودهم أبناء الثورة ويبحثون عن تطوير النظام الذى يعيشون فى كنفه وليس عن الهروب منه. إنهم يتطلعون إلى تغيير وضعهم كمجتمع وليس عن الهجرة عنه لتحسين أوضاعهم الشخصية. ولا شك أن هذا النوع من ردود الفعل ناتج عن التجربة الثورية التى زرعت نوعا من الثقة فى نفوس المواطنين وأقنعتهم بأنهم قادرين على تغيير الوضع القائم من خلال التعبئة والترابط فيما بينهم.

وقد عانت هذه المعارضة من التخوين من قبل النظام واضطرت إلى بذل جهد كبير لتبرئة نفسها من هذه التهم. وبمرور الوقت وبفضل امتناع الإدارة الأمريكية عن التدخل المباشر، أثبتت المعارضة أنها حركة وطنية أصيلة المنبت تعبّر عن مطالب وتطلعات الجيل الشاب الذى نشأ فى ظل الثورة وهو يمثل 40 مليون إيرانى تقريبا من أصل 70 مليونا.

فى حين كانت ثورة 1979 سهلة القراءة لأنها قامت على أساس معارضة النظام والغرب فى وقت واحد، أخذت الحركة الجديدة طابعا أكثر تعقيدا لأنها قامت فى ظل مواجهة بين النظام والغرب حول قضية البرنامج النووى الإيرانى من جهة، ولأنها تجمع بين كل مكونات الحركة الديمقراطية التى يشتهيها الغرب من جهة أخرى: مثقفون وفنانون وشباب، وتمثيل قوى للعنصر النسائى، وهى تنادى كلها باحترام الحريات وبالسماح للجيل الجديد بالعيش كباقى شباب العالم، متمردين على الأطر المقيّدة المفروضة عليهم فى ظل نظام متشدد.

يصف قياديون فى الحركة الخضراء المجتمع الإيرانى بأنه منقسم إلى ثلاث فئات: الأولى، تلقب بالسوداء، وتمثل 10٪ من المجتمع يقودها المرشد الأعلى خامنئى والرئيس أحمدى نجاد، والمحافظون بمن فيهم من شخصيات كانت قد أبدت بعض التحفظ تجاه نتائج الانتخابات المعلنة ولم تلبث أن انتهت بالانضمام إلى هذه الفئة، وعلى رأسهم رئيس المجلس النيابى على لاريجانى. والفئة الثانية تمثل 20٪ وهى الملقبة بالرمادية، أى المترددة، وتقودها شخصيات انتهازية مثل هاشمى رفسنجانى. أما من تبقى، وهم الغالبية، فيشكلون كتلة المعارضين الخضراء، وحسب القيادات نفسها، فهؤلاء يمثلون حقيقة المجتمع الإيرانى الذى ازدادت فيه نسبة المتعلمين ذوى الوعى السياسى العالى. وهؤلاء أصبحوا يطالبون بالديمقراطية قبل الخبز ويسعون إلى إثبات حيوية الحركة وجديتها وضرورة دعمها. الفرنسيون يصفون المعارضة وكأنها عصفور ميت ولكن قياديى المعارضة يقسمون بخطأ هذا الاعتقاد ويبدو أنهم ينظمون صفوفهم ليثبتوا حيوية حركتهم.

إن أهم ما حملته هذه الرسالة من إغراء للغرب هو أن دعمها يمثل ضمانا لمصالحه، خصوصا فيما يخص التنازلات والضمانات المطلوبة من إيران بالنسبة لبرنامجها النووى. وتشير المعارضة هنا إلى أهمية الانتباه إلى الصوت العاقل الصادر من مدينة قم وهى تصريحات آية الله حسين على منتظرى حول قضايا السياسة الخارجية التى ينادى من خلالها بالتخلى عن برنامج تخصيب اليورانيوم وقبل إسرائيل ومن ثم اللجوء إلى المؤسسات الدولية للمطالبة بإزالة كل الأسلحة النووية من المنطقة وإقامة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل. وفى هذا الإطار، تدعو بعض أطراف المعارضة الغرب إلى دعم هذا الموقف الذى يلبى مصلحته ويجيب عن مخاوفه ويجنّب المنطقة والعالم كارثة ربما تقود القيادة الحاكمة البلاد إليها.

فرسالة المعارضة الرئيسية هنا هى أنه، وعلى عكس الدول العربية التى يمثل فيها دعم الحركات المعارضة خطرا على المصالح الغربية، فإن دعم المعارضة الإيرانية يتوافق مع هدف الغرب فى دعم الاستقرار فى المنطقة، حيث تسعى المعارضة إلى إثبات أن زواج السلام والديمقراطية قد يبدأ فى إيران.

على الرغم من أن الرئيس أوباما كان أعلن عن أنه لن يتدخل فى الشأن الداخلى الإيرانى منذ بداية ولايته، فإن المعارضة الإيرانية تطالب بتدخل، شريطة أن يكون ذكيا. وأمام تخوف الغرب من خطر الدعم المعلن خشية أن يؤدى إلى منح النظام السلاح الذى ينتظره لضرب المعارضة، يطرح المعارضون مجموعة من الاقتراحات العملية التى قد تؤدى إلى إستراتيجية ضغط على النظام من غير أن تسبب بضرر للمجتمع، حيث يشيرون هنا إلى أن العقوبات على قطاع النفط، رغم أنها قد تكون مؤثرة للغاية وقادرة على تعديل الموقف المتشدد للحكومة، فإنها قد تضرّ بمجمل الشعب وأكثر من الحكام كما حصل فى العراق. فهم يقترحون مثلا أن تقوم المجموعة الدولية بتقرير عقوبات تستهدف الحرس الثورى بالتحديد بما أنه المسئول الأول عن قمع المتظاهرين. وبما أن الحرس الثورى يقوم عمليا بدور جيش، فعلى المجتمع الدولى أن يتعامل معه على هذا الأساس ويدين علنا نشاطاته الاقتصادية ويفضح ممارسات الفساد فى صفوفه ويتخذ عقوبات تعرقل قدرته على التنصت والتجسس على المواطنين من خلال إيقاف عقوده مع شركات الاتصالات الغربية مثل نوكيا وسيمينز. وهم ينصحون الغرب أيضا بالتشاور مع المعارضة الخضراء لتزويدها بأسماء الشركات التى تتعامل مع أجهزة النظام القمعية. بالإضافة إلى هذه الاقتراحات، توصى قيادات المعارضة باتخاذ عقوبات شديدة منذ البداية وليس بشكل تدريجى، ومع إرفاقها بحملة إعلامية توضح للشعب هدف العقوبات وكيف كان يمكن تجنبها. من ضمن التوصيات أيضا، أن يمارس الغرب ضغوطا على النظام الروسى بصفته أكبر طرف داعم للنظام الإيرانى. وتشير المعارضة هنا إلى اتصالاتها ومحاولتها إقامة تحالف مع المعارضة الروسية بقيادة بطل العالم السابق للشطرنج جارى كاسباروف.

يظهر هنا الطابع الحداثى للمعارضة التى لا تناقش مبدأ التدخل الخارجى أو خطر تخوينها، فهى تعلن صراحة على أن أولوياتها الديمقراطية تبرر التعاون مع كل الجهات المستعدة لمساعدتها، وتنذر ضمنا بأن الفشل فى دعم حركتها الديمقراطية قد يسبب للرئيس أوباما فقدانا للشعبية التى يتمتع بها لدى الرأى العام والعودة بالتالى إلى الهتاف المألوف «الموت لأمريكا».

أمام هذا النداء، تتلكأ الأطراف الخارجية وتتساءل: هل هذه المعارضة قوية وقادرة على تغيير التوازنات الداخلية؟ فالرهانات عالية والمخاطر عديدة، وقد سبق أن حرقت أصابعها من قبل. ومن الأرجح ألا تتدخل القوى الخارجية كما تريد المعارضة ولكن الأساليب الذكية والتنسيق الهادئ المقترح من المعارضة الخضراء ربما قد يخلق نقاشا جديدا وضروريا أدق وأكثر تفصيلا حول وسائل دعم الديمقراطية فى البلدان التى تسيطر عليها أنظمة استبدادية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved