لماذا هاييتي مهمة؟

باراك أوباما
باراك أوباما

آخر تحديث: السبت 23 يناير 2010 - 10:40 ص بتوقيت القاهرة

 خلال الأسبوع الماضى، تأثرنا جدا بالصور المفجعة للدمار فى هاييتى: أمهات وآباء يبحثون بين الأنقاض عن أبنائهم وبناتهم، وأطفال خائفون ووحيدون يبحثون عن أمهاتهم وآبائهم. لقد دُمرت أجزاء كاملة من مدن بورت أو برنس، مما دفع العائلات إلى البحث عن مأوى فى مخيمات مؤقتة. إنه مشهد مروع لأناس تزعزعت حياتهم فى بلد فقير عانى الكثير أصلا.

ردا على ذلك، أمرت بتنسيق جهود سريعة ومكثفة لإنقاذ الأرواح فى هاييتى. لقد أطلقنا إحدى أكبر عمليات الإغاثة فى التاريخ الحديث. وأعطيت تعليمات لرؤساء كل الوكالات بوجوب أن تكون لردة فعلنا الأولوية فى الحكومة الفيدرالية. نحن نعبئ كل قدراتنا الوطنية: موارد وكالات التنمية، وقوة جيشنا، والأهم من ذلك، تعاطف الشعب الأمريكى. ونعمل بشكل وثيق مع الحكومة الهاييتىة والأمم المتحدة والشركاء الدوليين الكثيرين، الذين يساهمون أيضا فى هذا المجهود الهائل.

نحن نعمل لمساعدة آلاف المواطنين الأمريكيين المقيمين فى هاييتى وعائلاتهم داخل الولايات المتحدة ونعمل لمساعدة الشعب الهاييتى، الذى عانى تاريخا مأساويا، وأظهر قدرة كبيرة على التحمل، ولأن علاقاتنا وطيدة مع هذا البلد المجاور، الذى لا يبعد عنا سوى بضع مئات من الأميال إلى الجنوب.

لكن الأهم من كل ذلك أننا نبذل هذه الجهود لسبب بسيط جدا: عند حدوث المآسى، تهب الولايات المتحدة الأمريكية للنجدة. هذه هى طبيعتنا، وهذا ما نقوم به. فطوال عقود، كانت القيادة الأمريكية قائمة جزئيا على عدم استغلال قوتنا لإخضاع الآخرين، بل لمساعدتهم، سواء كان ذلك من خلال إعادة بناء البلدان المعادية لنا فى السابق بعد الحرب العالمية الثانية، أو إيصال الأغذية والماء إلى سكان برلين، أو مساعدة مواطنى البوسنة وكوسوفا على المضى قدما فى حياتهم وإعادة بناء بلدانهم.

أكثر ما يتجلى ذلك عندما تزداد المخاطر والعذاب البشرى. لهذا السبب عملنا لمساعدة الناس على مكافحة وباء الإيدز فى أفريقيا والنهوض بعد التسونامى المدمر فى آسيا.

عندما لا نظهر قوتنا فقط بل تعاطفنا أيضا، ينظر العالم إلينا بمزيج من الرهبة والإعجاب. هذا يعزز موقعنا القيادى، ويظهر طابع بلدنا. وهو السبب الذى يجعل كل أمريكى ينظر إلى جهود الإغاثة هذه بفخر لمعرفته أن أمريكا تعمل لمصلحة البشرية.

حاليا، لدينا فرق بحث وإنقاذ على الأرض، تنتشل الناس من تحت الأنقاض.

الأمريكيون من فرجينيا وكاليفورنيا وفلوريدا يعملون على مدار الساعة لإنقاذ أناس لا يعرفونهم. وقد انتشر جنودنا وبحارتنا وطيارونا ومشاة بحريتنا وخفر سواحلنا بسرعة فى المكان. يدا بيد مع الأمريكيين المدنيين، يعملون جاهدين ليلا ونهارا لتسهيل المجهود اللوجستى الضخم، ولإيصال وتوزيع الأغذية والماء والأدوية لإنقاذ الأرواح, وللحول دون حصول كارثة إنسانية أكبر.

المساعدات الأوسع نطاقا فى طريقها إلى هناك. فعملية الإنقاذ والنهوض ستكون معقدة وصعبة، ونقل كل الموارد الضرورية إلى تلك البيئة المدمرة يتطلب وقتا. لكن المزيد من فرق الإنقاذ الأمريكية والأطباء والممرضين والمسعفين سيصلون للاهتمام بالمصابين. وسيتم إيصال المزيد من الماء والطعام والإمدادات. لقد وصلت حاملة طائرات إلى هناك. ومن شأن المزيد من الطائرات والآليات الثقيلة أن تعيد الاتصالات وتفتح الطرقات والمرافئ لتسريع عملية الإغاثة والنهوض.

فضلا عن ذلك، فى هذا القرن الجديد، لا يمكننا التصدى للتحديات الكبيرة بمفردنا. فى هذا المجهود الإنسانى، سنعمل بشكل وطيد مع بلدان أخرى كى يكون عملنا على الأرض فعالا على الرغم من الظروف شديدة الصعوبة. وسنعمل أيضا مع الأمم المتحدة، التى بذلت جهودا كبيرة لإرساء الأمن والاستقرار فى هاييتى على مر السنوات، وتكبدت خسائر هائلة فى هذه الكارثة. وسنتعاون مع مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية، التى تتمتع بسجل طويل من العمل لتحسين حياة الشعب الهاييتى.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن كل هذه الجهود سيعززها استمرار المواطنين العاديين فى إبداء حسن نيتهم وكرمهم. الحكومات وحدها غير كافية. حتى الآن، تم جمع عدد قياسى من التبرعات من خلال الرسائل القصيرة عبر الهواتف الخليوية. وتدفقت الأموال إلى منظمة الصليب الأحمر وغيرها من منظمات الإغاثة. أود أن أشكر شخص فى العالم ساهم فى هذا المجهود.

وأخيرا، فى الأيام والأشهر والسنوات المقبلة، يجب علينا أن نعمل بشكل وثيق مع حكومة وشعب هاييتى لاستعادة الزخم، الذى كانوا قد حققوه قبل الزلزال. من المؤسف بشكل خاص أن هذه الأزمة حصلت فى وقت كانت هاييتى تبدى فيه أخيرا، وبعد عقود من النزاعات وعدم الاستقرار دلائل واعدة على إحراز تقدم سياسى واقتصادى. فى الأشهر والسنوات المقبلة، وبعدما تتوقف الهزات الارتدادية ولا تعود هاييتى تتصدر عناوين الصحف أو النشرات الإخبارية المسائية، ستقضى مهمتنا بمساعدة شعب هاييتى على متابعة مسيرته نحو مستقبل مشرق. ستقف الولايات المتحدة إلى جانب حكومة هاييتى والأمم المتحدة على طول المسار.

فى أعقاب الكارثة، يتم تذكيرنا بأن الحياة يمكن أن تكون قاسية بشكل لا يوصف، وبأنه غالبا ما يصيبنا الألم والخسارة من دون أى عدالة أو رحمة، وبأن القدر يمكن أن يعاكسنا جميعا. لكن فى هذه اللحظات أيضا، عندما نشعر بمدى هشاشتنا، نكتشف أننا كلنا بشر. ننظر إلى عيون الآخرين ونرى أنفسنا. ولهذا السبب ستقود الولايات المتحدة العالم فى هذه الجهود الإنسانية. هذا ما اتسم به تاريخنا، وهكذا سنواجه التحدى الماثل أمامنا.

Newsweek International

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved