مقايضة الأراضى فى فلسطين

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 23 يناير 2010 - 9:32 ص بتوقيت القاهرة

 تبدو إدارة أوباما عازمة على تعويض ما فات عندما انقضى العام الماضى دون تحقيق أى تقدم يذكر فى قضية الشرق الأوسط. هذا الموقف يستحق التقدير والتشجيع لا شك فى ذلك. إلا أن تصريحات صدرت خلال الأيام القليلة الأولى من هذا الشهر عن وزيرة الخارجية وعن المبعوث الأمريكى للمنطقة لا تدعونا للاطمئنان تماما، بل هى مبعث حقيقى للقلق، على الرغم من عناصر إيجابية أخرى اشتملتها نفس التصريحات. تتعلق التصريحات المقلقة بما صدر عنهما متعلقا بإعطاء الأولوية فى عملية التفاوض المقبلة إلى موضوع الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، والحديث فى نفس الوقت عن تبادل للأراضى أو مقايضة لها بين الطرفين.

فإذا بدأنا بوزيرة الخارجية نجد أنها قالت يوم 8 يناير الحالى أن مشكلة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة ستختفى تلقائيا متى تم حل مشكلة الحدود. ومن أجل تفسير ذلك ذكرت أن حدود الدولة الفلسطينية ستقوم على أساس خطوط 1967 مع تبادل متفق عليه للأرضى بين الطرفين agreed swaps. ولا يحتاج الأمر لشخص عبقرى ليتفهم أن معنى ذلك هو أنه متى تحقق لإسرائيل ما تريد من ضم الكتل الاستيطانية الكبرى (على الأقل) إلى داخل حدودها، فلن تكون هناك مشكلة تسمى مشكلة المستوطنات.

إذن فالحل أيسر كثيرا مما نظن ولا يحتاج إلى كل هذا العناء الذى جلبناه على أنفسنا كل هذه السنوات! وكأنما أرادت الوزيرة أن تقطع الشك باليقين فأشارت إلى أن إسرائيل فى حاجة إلى حدود آمنة ومعترف بها تعكس التطورات اللاحقة subsequent developments. أيضا لا يحتاج الأمر إلى ذكاء مفرط لمعرفة أن المقصود بهذه التطورات ليست إلا المستوطنات الإسرائيلية التى أقيمت فى الضفة الغربية منذ احتلالها.

وقبل أن تدلى وزير الخارجية بتصريحاتها بيومين فقط وبالتحديد يوم 6 يناير، أجرى المبعوث الأمريكى مقابلة تليفزيونية مطولة مع المعلق تشارلز روز فى برنامجه على قناة بلومبرج تطرق فيها أيضا إلى موضوع تبادل الأراضى أو مقايضتها، ونسب إلى رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس رغبته فى قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيا تأسيسا على حدود 1967 مع «تبادل متفق عليه للأراضى». للإنصاف فإن مقابلة ميتشيل كان بها الكثير من الإيجابيات التى سأتطرق إليها لاحقا، غير أننى لابد أن أتوقف أمام عبارة تبادل الأراضى أو مقايضتها، وأحاول تبين أبعاد مثل هذا الطرح.

فى فترة سابقة ولعلها كانت خلال ستينيات القرن الماضى ترددت عبارة «تعديلات طفيفة على الحدود minor rectifications لا تعكس ثقل الاحتلال». كان هذا الطرح منذ عقود عديدة مضت، أما الآن فإن الأوضاع قد تغيرت بشكل جذرى. ويكفى أن نشير إلى وجود 121 مستوطنة إسرائيلية فى الضفة الغربية يقطنها نحو 280 ألف مستوطن، بالإضافة إلى 190 ألف إسرائيلى يقطنون مجمعات سكنية فى القدس الشرقية. فإذا أضيف إلى المساحة التى تشغلها هذه المستوطنات مناطق الخدمات من حولها، والتجهيزات العسكرية التى تحميها، والطرق المؤدية إليها، فنحن نتحدث عن نحو 40% من مساحة الضفة الغربية.

والواقع أن المشكلة لا تكمن فقط فيما صدر عن الوزيرة الأمريكية أو مبعوث أوباما فيما يتعلق بتبادل الأراضى، إنما أساس تلك المشكلة الخطاب الرسمى الذى وجهه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فى 14 أبريل 2004 إلى رئيس وزراء إسرائيل حينئذ أريل شارون وذكر فيه حرفيا الآتى:
«فى ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، بما فى ذلك الوجود الفعلى للمراكز السكانية الإسرائيلية، فإنه من غير الواقعى unrealistic أن تؤدى مفاوضات الوضع النهائى إلى عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949.

إنما الأمر الواقعى هو تصور أن يقوم اتفاق الوضع النهائى على أساس اتفاق متبادل على تغييرات تعكس هذه الحقائق!» ولم يكتف بوش بذلك فى خطابه بل خلع على الحدود وصفا دخيلا على ما ورد فى قرار مجلس الأمن 242 بالقول بضرورة أن توفر هذه الحدود إمكانية الدفاع عنها defensible. ولا يحتاج الأمر إلى سعة خيال للاستنتاج بأن ما ذكرته الوزيرة حول التطورات اللاحقة. إنما هو تعبير أكثر تحضرا من تعبير بوش الصادم عن تقبل الحقائق الجديدة على الأرض. إنما النتيجة واحدة فى كلا الأمرين، نحن نتحدث عن ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل فى أى ترسيم مقبل للحدود.

ومخاطر القبول بمبدأ مقايضة الأراضى عديدة، وتحمل نذر عواصف جديدة تهب على طريق التسوية:
فالقبول بهذا المبدأ يعنى إهدار ما ورد بالقرار 242 سواء بالنسبة إلى الانسحاب من الأراضى التى احتلت عام 1967 أو عدم جواز الاستيلاء على الأراضى عن طريق القوة.

بعد أن اعتبرنا، واعتبر العالم، المستوطنات والجدار العازل أعمالا غير مشروعة ومخالفة للقانون الدولى، إذا بنا فى نهاية الأمر نسلم بالأمر الواقع ونسمح لإسرائيل بالإبقاء عليها بل واستقطاع الأراضى لضمها إلى داخل حدودها.

يشكل القبول بمقايضة الأراضى سابقة ستستغلها إسرائيل فى مفاوضات التسوية مع سوريا. أقول سابقة لأننا تمسكنا فى مفاوضات معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 بضرورة إزالة المستوطنات التى أقيمت فى سيناء حتى أن إسرائيل أقدمت على تفجير مستوطنة ياميت قبل أن تنسحب منها، كما أنه تم إخلاء المستوطنات فى غزة عند انسحاب إسرائيل من القطاع.

لا نعلم حتى الآن ماهية الأراضى التى ستقدمها إسرائيل للدولة الفلسطينية فى مقابل الكتل الاستيطانية التى ستضمها إليها، أو مساحتها أو موقعها، أو حالتها. وأغلب الظن أن تعرض إسرائيل فى المقابل مناطق فى صحراء النقب بلا ماء ولا شجر، أو أجزاء من الجليل بسكانها من عرب إسرائيل.

القبول بهذا الطرح قد يفجر خلافات بين الفصائل الفلسطينية، ويؤدى إلى تضائل فرص اللاجئين فى العودة. ويبدو أن تحركات رموز السلطة الفلسطينية الأخيرة فى المنطقة تستهدف توفير غطاء عربى ضرورى قبل خوض معركة الحدود هذه.

على الجانب الآخر، لابد من الإشارة إلى بعض الإيجابيات التى تضمنتها مقابلة ميتشيل التليفزيونية هذه:
ستقوم الولايات المتحدة بإبلاغ الأطراف بأن الوقت قد حان للدخول فى مفاوضات، وستعرض الأسس التى تعتقد أنها تصلح لتحقيق التقدم مع وجود إطار زمنى يتم فيه التوصل إلى اتفاق وذلك بما لا يتعدى العامين.

بالتوازى مع المسار الفلسطينية الإسرائيلى يمكن أن نرى مسارا سوريا ــ إسرائيليا، وآخر لبنانيا ــ إسرائيليا.

وفى نفس الوقت تدخل الدول المجاورة فى عملية تفاوضيه حول القضايا ذات الطابع الإقليمى مثل الطاقة، والمياه، والتجارة، والاتصالات والنقل.

وإلى جانب ذلك حرص المبعوث الأمريكى على امتداح اقتراح مبادرة السلام العربية واعتبارها خطوة فى الاتجاه الصحيح.

يمكن أن تكون هذه المقاطع الأخيرة من تصريحات ميتشيل مبعثا على التفاؤل، غير أن ذلك لا يجب أن يحول أنظارنا بعيدا عن المخاطر الناجمة عن ذلك الطرح الخاص بمقايضة الأراضى. ولا أعتقد أن هذه القضية الأساسية تخص السلطة الفلسطينية وحدها، إنما هى فى حاجة أكثر إلى اتخاذ موقف عربى موحد يؤكد تمسكنا بالثوابت وبما أجمعت عليه الشرعية الدولية.


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved