مغزى انسحاب البرادعى
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 23 يناير 2012 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
لم تقنعنى المبررات التى أوردها الدكتور محمد البرادعى فى بيان انسحابه من الترشح لانتخابات الرئاسة، والتى ارتكزت على عدم ارتياحه للمسار الذى انتهجه المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية، و«ضميره» الذى لا يسمح له بالاستمرار فى الترشح ضمن هذا المسار، وفكرت أن صحوة هذا الضمير ربما تأخرت قليلا، وقد كان ممكنا أن يفعل ذلك مثلا عقب استفتاء مارس وموافقة الشعب بأغلبية كبيرة على خريطة الطريق التى اقترحها المجلس العسكرى، والتى لم توافق هوى البرادعى، فلماذا أجّل انسحابه إلى ما قبل افتتاح البرلمان بأيام، ولماذا رفض محاولات تأجيل الانسحاب إلى ما بعد الذكرى الأولى للثورة، وإذا كان يقر فى بيانه بنزاهة الانتخابات، فكيف يمكن اعتبارها تمثيلية؟
انسحاب البرادعى يعنى ــ حتى الآن على الأقل ــ التحاقه بتيار «ثورة إلى الأبد»، عبر المظاهرات فى الميادين والشوارع، والاحتجاجات والاعتصامات فى المؤسسات ومواقع العمل، وظنى أنه بهذا الاختيار قد ألقى بنفسه فى وعاء لا يناسبه، فهو يعرف وهم يعرفون، أنه ليس مناضل شوارع، وليس محرضا ولا مهيجا جماهيريا من النوع الذى تعرفه أدبيات اليسار فى التنشئة السياسية، ولن يمر وقت طويل حتى يقفز البرادعى من هذا الوعاء، وتجربته مع الجمعية الوطنية للتغيير ترجح هذا الاحتمال.
البرادعى أعلن أنه لن يؤسس حزبا سياسيا، وسيعمل على توحيد صفوف الشباب لاستكمال أهداف الثورة، وهذا دور تكتنفه مصاعب جمة، ليس أقلها أن بعضا من هؤلاء الشباب يرفضون البرادعى أصلا وينظرون إليه بريبة، كما أن الائتلافات التى تجمعهم تضم عشرات الزعامات، ممن يرفضون أى شكل من أشكال الوصاية، وتتصادم رؤاها بشكل يعقد أى تنظيم، والسؤال الأهم: إذا كان البرادعى قادرا على توحيد الشباب فلماذا لم يفعل من قبل؟
ثمة معلومات تشير إلى تلقى البرادعى نصيحة من جهات يثق فى تقديراتها، بالانسحاب من سباق الرئاسة، فحظوظه فى الفوز قليلة، خصوصا أن التيار الإسلامى الذى حصد أغلبية مقاعد البرلمان لن يؤيده، وهو ما دفعه إلى عدم المغامرة بالترشح، ليبقى فى وضعية «الزعيم الذى لم يختبر»، قبل أن تسقطه صناديق الاقتراع.
أيا ماكانت الأسباب، فإننى أتمنى أن يجد البرادعى طريقا للمشاركة فى صنع مستقبل هذا البلد الذى يحتاج إلى كل أبنائه، فما بالك بالمميزين منهم، وإذا كان تأسيس حزب سياسى يضم أنصاره وينافس بقوة فى الانتخابات المقبلة فكرة غير واردة حتى الآن على الأقل، فلتكن جمعية أهلية تعمل وسط الناس، وتقدم أفكارا مبتكرة لمحاربة الفقر والأمية والبطالة، وتتبنى مبادرات نشطة لتحسين أحوالهم فى التعليم والصحة والزراعة والصناعة وغيرها.
هذه طريقة مؤكدة لخدمة الوطن وناسه، أما «ثورة إلى الأبد» فلن تؤدى إلا لمزيد من الانحسار والعزلة.