قبل أن نندم
عمرو خفاجى
آخر تحديث:
الأربعاء 23 يناير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى زمن الحرب العالمية الثانية، تعرضت بريطانيا للقصف العنيف فى صباح أحد الأيام، فاجتمع ونستون تشرشل رئيس الوزراء مع قادة الحرب والأركان، وسألهم عن محكمة تقع بالقرب من منطقة القصف وعن ما إذا كانت تواصل عملها أم لا، فأكدوا سلامتها وسلامة العمل بها، فأكد لهم تشرشل سلامة مستقبل بريطانيا، وقال قولته الشهيرة والتى باتت من المأثورات: طالما أن القضاء بخير فإن بريطانيا بخير وسنفوز بمعركة المستقبل.
نفس الأمر قاله الجنرال شارل ديجول، مؤسس فرنسا الحديثة القوية، فى ذات الزمن، لأن أمور الحرب والمعارك تتبدل فيها المواقف، اما القضاء والقانون، اذا ما تعرضا للقصف فستكون البلاد كلها الضحية.
ونحن الآن فى مصر، نفعل العكس تماما، مما فعله تشرشل وديجول، ليس فقط على مستوى الإدارة العليا للدولة او على مستوى الذين فى يديهم دفة الامور، بل على كل المستويات، من قمة السلطة، انتهاء بأصغر مواطن يلقى حجرا على محكمة، ومن الاختلاف على القوانين التى تحكمنا، وليس انتهاء بهيبة القضاء والمحاكم، واحترام القاضى واحكامه.
وإذا كان يمكن تقبل فكرة الاستقطاب فى السياسة أو حتى الاقتصاد لبعض الوقت، فإنه لا يمكن تقبلها ولو للحظة واحدة، عندما يتعلق الامر بالقضاء والعدالة، وهذا بالضبط الخطر الذى نتعرض له جميعا، وهو خطر علمنا التاريخ انه سيضرب البلاد فى مقتل، خاصة عندما تكون القوى المهيمنة فى البلاد راغبة فى تفصيل القوانين على هواها، وتطبيقها بالطريقة التى تروق لها.
قد يفرح البعض بحكم هنا، وقد يغضب البعض من حكم هناك، والجميع، حينما يكون الحكم فى صالحهم فيصفون القضاء بأنه عادل ويهتفون: «يحيا العدل»، أما إذا جانب الحكم ما كانوا يصبون اليه هتفوا بأعلى الصوت: «الشعب يريد تطهير القضاء».
الاستقطاب الحاصل فى البلاد، وضع القضاة والقضاء فى ميزان الساسة والسياسة، وهو بالضرورة غير ميزان العدل والعدالة، ووضعنا جميعا فى مأزق لا نجاة منه، الا بالابتعاد الكامل عن القانون والقضاء والقضاة واحكامهم، واعلان استقلال القضاء من جديد، وتقديسه كما كان، ومنحه الفرصة ليطهر نفسه بنفسه، كما كان يفعل، من اجل صالح البلاد والعباد.
إلى الذين يحاصرون المحاكم، والذين يستهزأون بالقانون، والذين يهاجمون القضاة، والذين يرهبون العدل.. إلى رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء، إلى الاخوان والسلفيين والليبراليين واليساريين، إلى قادة الاحزاب إلى الزعماء والقيادات، إلى الثوار انفسهم وإلى شباب الالتراس، إلى الاعلام بصحفه وقنواته إلى الصحفيين والاعلاميين.. إلى المتهمين والضحايا.. إلينا جميعا: سنندم لو خرج القضاء عن قضبان الاستقلال التام، وربما لن نجد الوقت حتى لنندم.