هكذا يقضى نتينياهو وترامب على فكرة حل الدولتين
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 يناير 2018 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
فى يوم الأربعاء، وخلال زيارته إلى الهند، أعلن رئيس الحكومة نتنياهو أن «لديه تقديرا بأن سفارة الولايات المتحدة فى إسرائيل ستنتقل إلى القدس مع نهاية السنة». وكما تجرى الأمور خلال السنة الأخيرة، فإن تقدير نتنياهو هو فعليا حصيلة تنسيق عملى بينه وبين الرئيس الأمريكى ترامب لنقل السفارة من شارع اليركون فى تل أبيب إلى حى أرنونة فى القدس. المطلوب الآن فقط تحديد موعد وضع حجر الأساس، ربما فى 14 مايو المقبل.
سيشكل انتقال السفارة، فعلا، حدثا تاريخيا، بخلاف «الزيارة التاريخية للهند» التى يحاول رئيس الحكومة تصويرها فى هذه الأيام. قبل 15 عاما، فى سبتمبر 2003 زار رئيس الحكومة أرئيل شارون الهند برفقة وزراء (بينهم يسرائيل كاتس وليمور لفنى) وأعضاء كنيست، ورجال أعمال، ومدراء مصارف، وفنانين. وقد استُقبل شارون والوفد المرافق استقبال الملوك فى نيودلهى فى القصور والساحات والشوارع. وتحدث رؤساء المؤسسة الأمنية الذين رافقوا الوفد «عن إغداقهم السلاح على الهند من دون وعى»، وحاولوا بيع الهند منظومات رادار من نوع «فالكون» بمليارات الدولارات. ومنذ ذلك الحين لم يتغير شىء فى خريطة المصالح. نحن نبيع السلاح، ونحصل فى مقابل ذلك على علاقة ودية. هذه هى القصة كلها.
لكن فى المحادثة التى أجراها شارون، فى ذلك الوقت، مع الرئيس الهندى «عبدالكلام»، ومع رئيس الحكومة أتال بيهار فاجيباى، تحدث مطولا عن والدته التى نصحته «بعدم الثقة أبدا بالعرب». وتصديقا على هذا الكلام، قام شارون فيما بعد بالانفصال عن غزة (سنة 2005)، وهذا يعبر عن عداء وعدم ثقة كبيرة بالفلسطينيين، وباحتمال التوصل إلى أى حل معهم. لكن زيارة شارون إلى الهند انقطعت بسبب الهجوم على «مقهى هيلل»، فى القدس، حيث قُتل سبعة أشخاص. وتخلى شارون عن زيارة بومباى، وركب الطائرة عائدا إلى إسرائيل. لقد كان قد مر عام ونصف العام على عملية «السور الواقى» التى قام بها شارون بدعم من الرئيس الأمريكي جورج بوش، لكن موجة الإرهاب لم تخمد.
كان شارون وبوش صديقين، لكن يبدو أن شبكة العلاقات بين نتنياهو وترامب وثيقة أكثر كثيرا، ورئيس الحكومة الحالى يستطيع أن يعلن خطوات لم يطلع عليها مستشارو الرئيس الأمريكى المقربون. هناك قاعدة أيديولوجية بينهما مشتركة. ومن المعقول الافتراض أنه عندما تحدث الرئيس ترامب قبل أسبوعين عن دول منكوبة يأتى منها المهاجرون إلى الولايات المتحدة، كان من مدعاة سروره أيضا أن يشمل السلطة الفلسطينية بين هذه الدول. يعرف نتنياهو جيدا هذا التمييز السطحى السائد وسط اليمين الأمريكى إزاء العرب وإزاء الآخرين. وهو يؤمن به ويستخدمه جيدا. وهذه هى اللغة المشتركة بينه وبين ترامب.
لست بحاجة إلى أن تكون من دعاة نظرية المؤامرة كى تتخيل الصورة التى يصورها اليمين: نتنياهو يجلس مع ترامب بعد الانتخابات فى أمريكا، ويطلب منه القضاء مرة واحدة وإلى الأبد على حل الدولتين. ونتنياهو وهو يقرأ على مسامع ترامب مقاطع كاملة من كتابه «مكان تحت الشمس»،و يحدثه عن الخطر الوجودى الذى يتربص بإسرائيل من جانب الدول الفلسطينية التى ستغرق وتغرقنا بملايين اللاجئين من العالم كله، وترامب يهز رأسه موافقا. ونتنياهو يفسر لترامب أنه لا يستطيع التراجع عن الدولتين، الحل الذى عرضه فى سنة 2009، ويطلب منه مساعدته فى التخلص من هذا الوعد.
يصوغ ترامب ونتنياهو تكتيكا مشتركا أساسه «دعوا الفلسطينيين يقضون على العملية السلمية». الرئيس الأميركى يعرض شكليا المفاوضات، ويعلن أن مؤتمرا سينعقد خلال ثلاثة أشهر بشأن الموضوع الفلسطينى، ويشكل طاقما رئاسيا مع جاريد كوشنير، وجايسون غرينبلات، والسفير ديفيد فريدمان، الذين هم، فى الحقيقة، الناطقون بلسان حزب البيت اليهودى. يعلن الطاقم عن صفقة العصر، لكن سرعان ما يختفى بعد عدة زيارات إلى المنطقة، ويتبنى بسرعة السردية الإسرائيلية بعدم وجود محاور فى المفاوضات. ويضرب الرئيس الأمريكى الحديد وهو حامٍ، ويعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل. يغضب الفلسطينيون ويدعون بأن «هذا الاعتراف هو الذى يقتل المفاوضات»، لكن الرئيس الأميركى لا يتأثر لأن هذا هو ما يريده.
وزراء مقربون من نتنياهو فوجئوا بإعلان انتقال السفارة خلال هذه السنة. لكن من الصعب عليهم الاعتراف بوجود تنسيق سياسى مسبق بين نتنياهو وترامب هدفه القضاء على فكرة الدولتين. والافتراض هو أنه لا يزال مطروحا خطة أميركية –سعودية يعرفها أبو مازن، وقد قرر تفجير كل شىء فى مرحلة مبكرة كى لا يضطر إلى الاعتراف بها. وبحسب خطة الأمير محمد بن سلمان، ستكون أبو ديس هى عاصمة الدولة الفلسطينية، وستبقى المستوطنات على حالها، وسيختفى حق العودة من جدول الأعمال. وتماما كما أن نتنياهو لا يريد تقسيم أرض إسرائيل خلال حكمه، كذلك أبو مازن، فهو ليس مستعدا للقبول بحل يحوله فى نظر شعبه إلى خائن.
أطراف فى اليمين الدينى، تعارض الخطة السعودية، هذا إذا كانت موجودة، يرون فى ترامب رد فعل على إدارة أوباما، وإصلاح سماوى للظلم الذى لحق بمشروع الاحتلال والمستوطنات خلال السنوات الثمانى الأخيرة. وهم يعتبرون خطاب الطلاق لأبو مازن هو نهاية العملية السياسية.
إن الاتفاق الصامت بين الإدارة الأمريكية وبين الحكومة الإسرائيلية واضح. الأمريكيون يغضون النظر عن توسيع المستوطنات، لكنهم لن يوافقوا على إقامة مستوطنات جديدة. وسيستمر هذا سنوات طويلة، إلى حين تصبح هناك عائلة يهودية – فلسطينية كبيرة واحدة تعيش على الأرض فى ظروف غير متساوية.
مكور ريشون - معلق سياسى
شالوم يروشالمى