ديكتاتورية البرادعي
وائل قنديل
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 فبراير 2010 - 9:36 ص
بتوقيت القاهرة
أقر أنا الموقع أدناه أن الدكتور محمد البرادعي قيمة محترمة قدمت لمصر أهم وأبقى وأرقى بكثير مما قدمه منتخب حسن شحاتة.. ولكن!
لماذا يعتبر البعض أن النقاش حول البرادعي كفكرة ومشروع يعنى وقوفا عكس تيار التغيير وانحيازا لما هو قائم؟
بمعنى لماذا يريد بعض المتحمسين أن نقبل بمشروع البرادعي كما هو، بلا نقاش أو طلب إجابات عن أسئلة كثيرة، قبل أن نمنحه توكيلا على بياض لقيادة سفينة التغيير؟
أرى فيما يطرحه البرادعي الكثير مما يصلح لتأسيس تيار تغيير حقيقى بشرط ألا يطلب منا أحد من المندفعين حماسا ــ بشكل متشنج أحيانا ــ أن نلغى عقولنا ونتوقف عن طرح الأسئلة والاختلاف معه أحيانا، مع الأخذ فى الاعتبار أن سماء البرادعي لا تزال غائمة ولم يحسم الرجل بعد حجم الدور الذى يمكن أن يلعبه فى إحداث التغيير، كما أنه لا يزال يتجنب الخوض فى حديث الآليات، على نحو يجعله يبدو سقراطيا وأفلاطونيا فى كثير من الأحيان، بمعنى الكلام فى القضايا الكلية والمبادئ العامة دون الدخول فى التفاصيل والإجراءات والخطوات العملية لبلوغ الهدف.
على أن ما بين البرادعي ومؤيديه يختلف كثيرا عما كان بين سقراط وأتباعه، إذ كان رواق سقراط ميدانا للنقاش والجدل والاختلاف بينه وبين مريديه وصولا إلى المعرفة والإجابة عن الأسئلة الكبيرة فيما يخص الفرد والمجتمع أخلاقيا وسياسيا.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن البرادعي جاء فى لحظة تاريخية فارقة، جعلته بمثابة حجر ضخم ألقى فى البحيرة فحرك المياه الآسنة، لكنى أخشى من أن نترك البحيرة ونبالغ فى تقدير وتقديس الحجر حتى نصنع منه أسطورة أخرى، وغنى عن القول إنه حينما تأتى الأساطير يخلد العقل للنوم أو على الأقل تتعطل أدوات التفكير.
ولا خلاف أيضا على أن أمام البرادعي وأمام المصريين فرصة ذهبية لتحريك عجلة التغيير، بشرط أن يكون البرادعي شريكا فاعلا، ولا يكتفى بدور الأب الروحى أو المنظر الذى يراقب من بعيد، ففى مجتمع أنهكته الأمية والفقر والطوارئ ليس مطلوبا الإفراط فى صياغة المعانى الكلية، بقدر ما هو لازم وحتمى أن نتحدث عن آليات وخطوات على الأرض.
وأخشى ما أخشاه أن يستغرق البرادعي فى أسفاره وارتباطاته الدولية، معتقدا أن الوجود فى المكان لا يهم لصناعة التغيير، ذلك أن الجماهير ستكون مشاركة ومتفاعلة بقدر ما تستشعره لدى الرموز والقيادات من مشاركة وتفاعل.
وعلى الذين يريدونها مبايعة لا مشاركة، وتسليما لا مناقشة، أن ينتبهوا إلى أنهم من حيث لا يدرون يشرعون فى استبدال ديكتاتورية قديمة بأخرى جديدة، حتى وإن كانت الجديدة مدنية وعالمية ومرموقة.