نحبها.. نحبها
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 23 فبراير 2011 - 9:52 ص
بتوقيت القاهرة
انتشر خبر وصولى إلى بيروت. تنادوا على الفيس بوك وبالرسائل النصية على الهواتف النقالة.. لقد وصل الرسول من عند الحبيبة. الحبيبة التى هجرتهم ثلاثين عاما، ابتعدت تبحث عن الدفء والرخاء فى أوهام أدمت روحها بعد أن أدمت جسدها. تنادوا ليسمعوا حكايات قيامها وتفاصيل بعثها من مبعوث عاش معها وفيها أحلى لحظات عمره حين رآها وهى تنهض من كبوتها وتفيق من سباتها وتنتفض ضد مغتصبها.
كانوا فى انتظارى عند الروشة، قرب الصخرة التى عاصرت بيروت منذ نشأتها، وكانت شاهدا على حروبها ومجونها. شباب كالشباب الذى تركته ورائى فى ميدان التحرير وميادين مصرية عديدة. قرأت الأسئلة فى عيونهم وأجبت وحكيت. كنت كريما فى الكلام على غير عادتى. لم يقاطعونى.
أنصتوا وعيونهم تلمع بالحب. حكيت عن الميدان الذى طالما اشتقنا إليه صغارا نذهب إليه لنشرب الحليب فى محل استرا المواجه للجامعة الأمريكية، واشتقنا إليه كبارا نحجّ إليه عندما اشتعل بالثورة. وحكيت عن الشوارع المؤدية إلى الميدان والجسور الموصولة إليه وعن عدد أهل مصر الذى لم يجتمع مثلهم. فى أى مكان من أرضها فى أى زمن من تاريخها.
حكيت عن شباب كبروا فجأة، وكبار صغروا فجأة، وأطفال شبّوا فجأة، ونظام حاكم فهم فجأة، وعن أيام انتصر فيها الحب على زبانية الشر ودوابه وأسلحته ومموليه. تحدثت عن تفاصيل يعرفونها ويتوقون إلى سماعها مرات على لسان رسول قادم من الأرض الحبيبة. سمعوها من قبل من مذيع أو آخر فى قناة فضائية أو أخرى، ولكن ليست الكلمة الصماء المنقولة عبر الأثير وجهاز التليفزيون كالكلمة، التى يستطيع أن يمد السامع يده فيلمها بأطراف أصابعه. حتى الخبر فى نشرة الأخبار نسمعه يتردد ونبقى غير مصدقين، ونسمعه مرة واحدة من شخص نحبه أو بعث به من نحبه، فنصدقه على الفور.
أطلت فتوقفت. وساد لثوان صمت ينطق بالانبهار. وتكلموا عن حب مصر. هم لا يكذبون، ولا يبالغون، ولا ينافقون، هم فعلا يحبونها كما أحبها أجدادهم وآباؤهم. لم يعرفوا مصر أخرى. ومن فرط حبهم لها صرحوا بخوفهم عليها. قالوا إن الرسائل، التى تصلهم عن طريق أدوات التواصل الإلكترونى تحذر من ضربة مضادة. أنتم حالمون إن تصورتم أن القادة العرب لن ينتقموا.
لقد صدمتم بثورتكم حكمة الشيوخ حين حاولتم إسقاط نظام، بل أكثر من نظام، بأدوات ساذجة، وكلمات بسيطة. جعلتم قادة الأمة محل سخرية شعوب العالم كافة. رفعتم رايات ظنوا أنها نكست إلى الأبد بهزائمهم وفسادهم.
قال أحدهم فى توديعى، أنت عائد إلى صحبة من تحب ونحب، قل لشبابها، ثورتكم وثوراتنا فى كل ركن من بلادنا ما زالت تخطو أولى خطواتها. احذروا كل من يقول لكم: لقد انتصرتم فارموا شعاراتكم واذهبوا إلى بيوتكم وانسوا مطالبكم. ونحن نقول لكم اصمدوا لتصمد وتبقى لنا حبيبة خالدة.
«تعملوا معروف»، حافظوا على حبيبتنا مصر من أجل شعبها وشعوبنا.