غرور المتدينين ظاهرًا.. التطرُّف ضد الإسلام


موسى فيربر

آخر تحديث: السبت 23 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تصريحات أطلقها ثلاثة دعاة إسلاميين مصريين من ذوى الشعبية تركت المصريين فى حالة لغط واضطراب؛ أحد هذه التصريحات يبرر الاعتداء الجنسى على المتظاهرات، وتصريح آخر يدعو إلى قتل رؤساء الأحزاب المعارضين للرئيس مرسى، وتصريح ثالث يطالب الرئيس بقمع المحتجين بشدّة، قبل أن يتولى هذا الأمر مواطنون عاديون. والمفارقة فى هذه الحالة أن الضجة ضدّ هذه التصريحات، من وجهة النظر الشرعية، مبرّرة أكثر بكثير من التصريحات نفسها.

 

برَّر أحمد محمد عبد الله الاعتداء الجنسى على المتظاهرات بـ«تحليل» مفصّل تناول إحصائيات تتعلق بالتركيبة السكانية فقال: «ذهبن إلى هناك كى يُغتصَبْنَ.. و90% منهن صليبيات والباقيات منهن أرامل بلا أزواج يضبطونهن». ومن غير الواضح كيف عرَف أيّا من ذلك، وإن فرضنا جدلا أن كلّ ذلك كان صحيحا، فأن يكون أىٌّ منه مسوغا للاعتداء الجنسى هو أمر أكثر إبهاما والتباسا. والأدهى من ذلك أنه سخر من تصريحات للمعارضة بأنّ الاعتداء على النساء «خطٌ أحمر» لا ينبغى تجاوزه.

 

وعلى الرغم من أنّ تصريحات أحمد محمد عبد الله تخلو من الحساسية واللياقة، نظرا لمشكلة التحرّش الجنسى العويصة المتزايدة فى مصر، إلا أنّها أيضا تناقض الفقه الإسلامى مناقضة مباشرة إذ تعدُّ الشريعةُ الاغتصابَ والاعتداء والتحرش الجنسى، دائما أبدا، أعمالا محرّمة آثمة إجرامية، وأنّ المتحرّش هو المسئول عن فعل التحرّش. ومن حيث إنّ هذه تعدّ بنودا أساسية فى الفقه الإسلامى فللمرء أن يتساءل كيف يمكن أن يُحاسَب بموجب الشرع على إفساده بالأساس لإدراك الإسلام وفهمه فهما سليما فى الملأ العام.

 

ومع ذلك فلئن كان يحاول بتصريحاته أن يجيز أو يشرعن سلوكا إجراميا فهو فى الحقيقة لم يأمر الناس بالمضى إلى تنفيذه، بينما أمر بذلك محمود شعبان ووجدى غنيم. فقد دعا شعبان على قناة تلفزيونية ذات شعبية إلى قتل زعماء المعارضة مشيرا إلى محمّد البرادعى وحمدين صباحى بالاسم، على الرغم من أنّه أوضح بأنه لا ينبغى أن ينفّذ هذه العقوبة الأشخاص العاديون. إلا أنّ غنيم لم يكن لديه ذاك التردد بشأن المتظاهرين خارج القصر الرئاسى، فقد دعا الحكومة إلى التعامل مع المتظاهرين، وإلا سيتعامل معهم مواطنون عاديون، وقال: «سنقتل البلطجية والمجرمين واللصوص والذين يساعدونهم بالمال ويساعدونهم بالكلام، ولا هوادة معهم».

 

إنّ تصريحات وجدى غنيم ومحمود شعبان مذكرة بتصريح مماثل أصدره هاشم إسلام فى شهر أغسطس إذ أعلن أنّ المتظاهرين ضد الرئيس مرسى مدانون بجريمتى الحرابة والخيانة العظمى، ولذلك فدمهم هدر، وأمَرَ شعب مصر بمقاومتهم، باستخدام القوة المفرطة والقتل إن لزم الأمر؛ إلا أنّ كلَّ ما ادعاه رفضته وزارة الأوقاف وجامعة الأزهر والإخوان المسلمون.

 

فى المقابل قال مفتى الديار المصرية على جمعة إنّ التظاهر السلمى حق فى الإسلام ولكن ينبغى أن يتجنّب إيذاء الناس أو الاعتداء على ممتلكاتهم أو زعزعة أمنهم واستقرارهم أو تعطيل مصالح البلاد والعباد. وإذا كانت الاحتجاجات قد أدت إلى عنف، فإن معظم هذا العنف ناجم إلى حدّ ما عن الردّ القاسى من جهة الشرطة؛ وعلى كلّ حال، فإنّ قدرة زعماء المعارضة على السيطرة على حركة الاحتجاج ضعيفة فى أحسن الأحوال، ولا وجود لها فى أسوئها. وحتى لو كان المحتجون مدانين بجرائم، فإن ذلك من مسئوليات السلطات الحكومية المسئولة عن حفظ القانون والنظام، صاحبة الصلاحية فى اعتبار إصدار الأحكام القضائية، وليس من شأن مفتين غير رسميين (وإن كانوا مؤهلين) فضلا عن الشخصيات التلفزيونية غير المؤهلة.

 

•••

 

ومن التناقض الغريب فى إصدار هذه التصريحات أنّ فعل إصدارها ذاته يمكن عدّه صورة من صور الدعوة إلى الحرابة وأخذ القانون بيد الأفراد العاديين، وهى ذات التهمة التى رمى المعارضةَ بها محمود شعبان ووجدى غنيم؛ وعلى وجه الخصوص يمكن تفسير تصريحات غنيم بسهولة على أنّها تحريض للناس على تحدّى الرئيس والقيام بأعمال عنف، وهو ما يمثّل إهانة لمؤسسات الدولة؛ وهذا الواقع الذى تسخر فيه هذه التصريحات ذاتها من الشريعة الإسلامية إنّما تفاقم الوضع السىئ أكثر.

 

ولم تكن هذه التصريحات مقلقة لعموم الناس والمستهدفين منها فحسب، فقد التقى أعضاء من مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر بشيخ الأزهر أحمد الطيب الذى رفض التصريحات رفضا قاطعا مؤكدا عدم صحتها ومنبها المصريين من خطورتها وداعيا إلى تجاهلها وعدم الاستماع إليها.

 

ومع أنّ مكتب الرئيس كان صامتا فى البداية إلا أنه فى النهاية أصدر بيانا يعرب فيه عن «الرفض التام لخطابات الكراهية التى تتمسّح بالدين»، داعيا قادة الدين والفكر إلى الرفض الجماعى لمثل هذا التحريض. وقد جاء فى البيان أنّه «من الغريب على أرض الكنانة أن يروج البعض للعنف السياسى ويحرض عليه ويبيح البعض الآخر ممن يدعون التحدث باسم الدين «القتل» على قاعدة الاختلاف السياسى وهذا هو الإرهاب بعينه». وعدّت وزارة الداخلية تلك التصريحات تهديدا عاما، خصوصا أنّ تصريحات شعبان جاءت عقب اغتيال شكرى بلعيد، أحد أشهر المناهضين للسياسيين الإسلاميين فى تونس. بعد ذلك عززت وزارة الداخلية الحراسة فى المناطق التى يقيم فيها زعماء المعارضة.

 

•••

 

وقد جاء فى الأخبار أن مجلس الوزراء المصرى يدرس اتخاذ إجراءات قانونية ضد من يستغل الدين للتحريض على العنف، وأن النائب العام طلعت إبراهيم أمر بفتح التحقيق ضد محمود شعبان على تصريحاته. وأبعد من التحريض على العنف، قد تكون ثمّت قضية هنا أيضا إذ إنّ هذه التصريحات غير المسئولة تقع تحت قانون العقوبات المصرى، الذى تنصّ إحدى فقراته بوضوح على: «يعاقَب (...) كلُّ من استغل الدين فى الترويج (...) لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى». فأحمد محمد عبد الله استخدم الدين لتقديم مسوّغ وعذر للتحرّش الجنسى واغتصاب المتظاهرات المسيحيات والمسلمات؛ واستخدمت تصريحات محمود شعبان ووجدى غنيم الدينَ لتبرير قتل زعماء المعارضة والمتظاهرين.

 

ولئن كان من المشكوك فيه أن يستخدم النائب العام فقرة القانون المشار إليها آنفا لملاحقة دعاة غير مسئولين ومتطرفين، فالواقع أنّ هذا الخطاب مسىء للدين حقا؛ وحين يستخدم أولئك الدعاة إلى الإسلام الدينَ بهذا الأسلوب اللاأخلاقى فإنّ ذلك من الناحية الأخلاقية أكثر شَيْنا وعَيْبا من أن ينتج متعصّبون ضد الإسلام أفلاما رخيصة شكلا ومضمونا، كان من الممكن أن تُهمَل ولا يُلتَفت إليها لو لم يخترِ المتطرفون أن يلفتوا الاهتمام العام بقوة إليها. وقد أدت هذه الأفلام مؤخرا إلى المطالبة بحظر «يوتيوب»، فأين المقياس المماثل فى السعى إلى مكافحة المحاولات الجانحة لاستخدام الفتاوى من أجل أغراض حزبية بحتة؟.

 

 

 

زميل باحث فى مؤسسة طابة، وهو مجاز فى الفتوى من كبار علماء دار الإفتاء المصرية بمن فيهم مفتى الديار المصرية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved