الحرب الأهلية فى سورية على مشارف مرحلة جديدة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 23 فبراير 2018 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
الحرب الأهلية فى سورية والحروب بالوكالة التى بدأت قبل سبعة أعوام، هى اليوم أمام مرحلة جديدة. هذه التطورات تجلت فى الأسابيع الأخيرة من خلال أحداث وقعت على جبهات متعددة فى سورية: «يوم القتال» بين إسرائيل وسورية وإيران (تسلل طائرة إيرانية من دون طيار إلى الأراضى الإسرائيلية وإسقاطها، الردود والهجمات التى قام بها سلاح الجو الإسرائيلى داخل أراض سورية وإسقاط طائرة «سوفا» الإسرائيلية بواسطة الدفاع الجوى السوري)، هجوم أمريكى فى دير الزور أدى إلى مقتل أكثر من 100 مقاتل لهم علاقة بنظام الأسد، بينهم مقاتلون ينتمون إلى وحدة مرتزقة روسية؛ وعملية تركية فى الشريط الكردى عفرين هدفها تقليص النفوذ الكردى فى شمال سورية. من الصواب أن نفحص تسلسل الحرب وموازين القوى حتى الآن كى نفهم دوافع التحركات الأخيرة وانعكاساتها.
لقد تحولت الحرب فى سورية منذ مراحلها الأولى إلى «ملعب» محلى، إقليمى، ودولى. وقد شكل ضعف نظام الأسد وتعدد التيارات التى شاركت فى الحرب أرضاَ خصبة لأصحاب المصالح الأجنبية من أجل الدفع قدما بجدول أعمالهم فى سورية وفى الشرق الأوسط عامة. وإيران وحزب الله كانا أول من وقف إلى جانب نظام الأسد فى سنة 2011، ومساعدته كى يصمد، أولا بواسطة حزب الله، وفيما بعد بواسطة فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، وميليشيات شيعية جرى تجنيدها فى العراق وفى باكستان وأفغانستان. وقد شارك هؤلاء فى مراحل متعددة من القتال إلى جانب نظام الأسد ضد تنظيمات المتمردين المتنوعة التى حصلت بدورها على دعم الدول العربية السنية.
لم يمر وقت طويل لكى يتضح أن المتمردين السنّة يجدون صعوبة فى التوحد حول قاسم مشترك، فتشرذموا إلى عشرات المجموعات الصغيرة، التى لم تنجح فى توحيد صفوفها وتشكيل كتلة حاسمة ضد نظام الأسد. وقد حاربت هذه الفصائل بعضها بعضا سعيا للسيطرة المحلية. فتنظيم الدولة الإسلامية داعش، العنصر المهيمن فى المعسكر السنى الراديكالى، الذى تمركز فى العراق وسورية فى سنة 2014، هو الذى دفع الولايات المتحدة (بعد أن امتنعت من التدخل سابقا) إلى التحرك عسكريا فى سورية داخل إطار ائتلاف دولى، ومهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر القاعدة. وفى أواخر سنة 2015، ولدى تعرض صمود الأسد لخطر كبير، بدأت روسيا تدخّلها العسكرى وشكلت مع إيران ووكلائها فى سورية ائتلافا عسكريا مؤيدا للأسد. وقد أدى ذلك خلال سنة إلى رجحان الكفة بوضوح إلى جانب الأسد، وأضعف كثيرا قوات المتمردين. وشكل احتلال حلب فى ديسمبر 2016 الحدث الذى بلور التغير فى موازين القوى.
إن استراتيجية «الدولة الإسلامية أولا» التى وضعتها الولايات المتحدة تركت جانبا النزاعات الأُخرى. وفى نوفمبر 2017 انهزم تنظيم الدولة الإسلامية بعد احتلال مركزيْ سيطرته، أى الموصل فى العراق والرقة فى سورية. وبقى الأسد فى الحكم يسيطر على المراكز السكانية الكبيرة، على الرغم من كونه لا يسيطر على سورية كلها. وقد عملت روسيا بصورة حثيثة على تشكيل عملية تسوية سياسية فى سورية تأخذ فى الاعتبار علاقات القوى على الأرض، وذلك من خلال إقامة مناطق خفض التصعيد فى الجيوب التى تسيطر عليها القوى المؤيدة لنظام الأسد. وقد اتضح أن العائق الأساسى فى وجه تسوية سياسية هو استمرار الأوضاع التى أشعلت الحرب الأهلية منذ البداية والخصومات التى ساهمت فى استمرار الحرب، بما فى ذلك تدخل لاعبين خارجيين.
فى الوقت الذى حاول الائتلاف المؤيد للأسد تقديم صورة انتصار وأعاد السلطة إلى يدى الأسد، قبل الانتقال إلى المرحلة القادمة من بلورة حل سياسى برعاية روسيا وإيران، اشتعلت المعارك والأحداث فى شتى أنحاء سورية. وفى الوضع الحالى يحاول كل صاحب مصلحة فى سورية، وسائر القوى الخارجية تحقيق أكبر قدر من النفوذ والمحافظة على الأرصدة التى سيطروا عليها وحاربوا من أجلها. ويخلق تصادم المصالح جوا من «الكل ضد الكل»، ويشكل بداية مرحلة جديدة فى الحرب الأهلية السورية.
فى هذا المخزون المعقد من المصالح تنشأ نزاعات لا يمكن الحئول دون حدوثها. مثلا، تعزز الولايات المتحدة دعمها للقوات الكردية فى شمال شرقى سورية، كى تنظف المنطقة من بقايا تنظيم الدولة الإسلامية، وعدم السماح بنموها وسيطرتها مجددا على الأرض، وأيضا من أجل كبح نشوء «الجسر البرى» الإيرانى إلى البحر المتوسط. وفى المقابل، تعارض تركيا، العضو فى حلف شمال الأطلسى وحليفة الولايات المتحدة، الخطوة الأمريكية الرامية إلى تعزيز القوات الكردية. ومن وراء الكواليس تؤجج روسيا النيران، وتعطى تركيا «ضوءا أخضر» للقيام بعملية عسكرية، هدفها السيطرة على منطقة عفرين شمال سورية الواقعة تحت السيطرة الكردية، من دون الأخذ فى الاعتبار نظام الأسد الذى يعتبر العملية التركية اعتداء على سيادة بلاده. وبهذه الطريقة تتحدى روسيا الولايات المتحدة وتجبرها على الاختيار بين تأييدها الأكراد وبين علاقتها بتركيا. فى الوقت عينه تحاول الولايات المتحدة منع سيطرة القوى المؤيدة للأسد وبصورة خاصة منع وكلائه الإيرانيين من السيطرة على المنطقة الشمالية الشرقية لنهر الفرات، الواقعة تحت سيطرة الأكراد. ولذلك اضطر الأمريكيون فى الأسبوع الماضى إلى مساعدة القوات الكردية الديمقراطية السورية، لدى تعرضها لهجوم من جانب القوات المؤيدة للأسد فى منطقة دير الزور.
بالنسبة إلى إسرائيل، تقيم موسكو معها حوارا استراتيجيا وتمنحها هامشا لتحرك عملانى فى الأجواء السورية، الأمر الذى يخدم أيضا المصالح الروسية فى تقليص النفوذ الإيرانى فى سورية. لكن فى الوقت عينه، تغض موسكو النظر عن إطلاق طائرة من دون طيار إيرانية من مطار تيفور Tــ4 الواقع فى عمق سورية، حيث الوجود العسكرى الروسى، بهدف التسلل إلى أراضى إسرائيل، وكانت نتيجته زيادة الاحتكاك بين إسرائيل وإيران. إضافة إلى ذلك تقدم روسيا استشارة مكثفة لمنظومة الدفاع الجوى السورى كى ينجح فى اعتراض الطائرات الإسرائيلية التى تنشط فى المجال الجوى السورى، وتقليص حرية التحرك العملانى لإسرائيل.
هذا الواقع الذى يصطدم فيه العديد من المصالح العائدة إلى لاعبين مختلفين يؤكد استمرار الاحتكاكات والمواجهات. ومن المتوقع أن يواصل الأسد العمل لترسيخ وتوسيع قبضته على الدولة، وفى هذا الإطار يركز الائتلاف المؤيد للأسد فى هذه الأيام قواته استعدادا لمرحلة السيطرة على ضواحى دمشق؛ وستحاول تركيا منع نشوء منطقة كردية على حدودها، وأن تشكل «حزاما أمنيا» خاضعا لسيطرتها على الحدود بينها وبين سورية. الأكراد سيحاربون للدفاع عن المنطقة التى حصلوا عليها بعد قتال شرس وخسائر، إيران تريد أن تقطف ثمار استثماراتها فى سورية وفى نظام الأسد، وأن تكون العنصر المركزى المؤثر فى سورية وتحويل سورية إلى دولة وصاية. ومعنى ذلك بناء بنية تحتية إيرانية من أجل صنع وسائل قتال ووجود ميليشيات محلية خاضعة للنفوذ الإيراني؛ من جهتها إسرائيل، تعارض ذلك بقوة وتعمل على منع وجود عسكرى دائم لإيران وحزب الله على حدودها الشمالية؛ الولايات المتحدة معنية بمنع نمو تنظيم الدولة الإسلامية من جديد فى الفراغ السياسى الذى نشأ فى المناطق التى كان يحتلها التنظيم. لهذا يعتقدون فى البنتاغون أنه لن يكون هناك مفر من مواصلة التدخل العسكرى وتوسيع السيطرة على الحدود الواقعة بين سورية والعراق وحتى اقامة قوة حرس حدود تعتمد على شركائهم المحليين؛ روسيا ترغب فى المحافظة على النظام القائم وعلى نفوذها المتزايد فى سورية، من أجل تحسين مكانتها فى الشرق الأوسط وفى الساحة الدولية.
ننصح إسرائيل بالاستمرار فى الحوار الاستراتيجى مع روسيا، على الأقل للتخفيف من الأضرار. وفى المقابل، يجب عليها أن تدفع قدما باستراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة لكبح النفوذ الإيرانى، تشمل إغلاق الحدود الشرقية بين سورية والعراق بهدف لجم تأسيس ممر إيرانى إلى سورية. ثمة هدف آخر هو ردع إيران عن مواصلة تمركزها فى سورية من خلال زيادة المخاوف من أن يؤدى ذلك إلى صدام بينها وبين القوات الأمريكية.
بعد السيطرة على ضواحى دمشق، يبدو أن الهدف المقبل للائتلاف المؤيد للأسد سيكون جنوب سورية، وقبل كل شيء جيب المعارضة فى درعا. بناء على ذلك، يجب بلورة تعاون عملانى ثلاثى: أردني ــ إسرائيلي ــ أمريكى، يشمل خطة تسليح وتدريب من جديد لقوات المتمردين فى جنوب سورية (وخصوصا الجيش السورى الحر) الذى أوقفت الولايات المتحدة تقديم الدعم له على الرغم من التحفظات الأردنية. ويجب استئناف هذا الدعم كى يجرى استخدام المتمردين كإسفين فى مواجهة تمدد القوات التى يستخدمها الإيرانيون فى منطقة درعا ــ القنيطرة. فى هذا السياق تستطيع إسرائيل استخدام العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة من أجل زيادة التعاون بينهم من أجل التوصل إلى تسوية سياسية فى سورية، لقاء الدفاع عن مصالح الأردن وإسرائيل حليفى الولايات المتحدة.
أودى ديكل
باحث فى معهد دراسات الأمن القومى
مباط عال
مؤسسة الدراسات الفلسطينية