فى استخدام «معاداة السامية» سلاحا لدَرء النقد عن الصهيونية
مواقع عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع درج مقالا للكاتب اللبنانى جلبير الأشقر تحدث فيه عن الكيفية التى قام بها الصهاينة باستخدام سلاح معاداة السامية لاحتلال فلسطين ووضع احتلال فلسطين فى إطار التعويض عن محارق اليهود فى الحرب العالمية الثانية، مع استمرار الصهيونية استخدام سلاح معاداة السامية لإسكات أى صوت معارض لما تقوم به إسرائيل من انتهاكات... نعرض منه ما يلى:
يقول الكاتب إن السنوات القليلة الأخيرة شهدت تصعيدا ملحوظا وخطيرا فى استخدام «معاداة السامية» (أى كره اليهود) سلاحا لدَرء النقد عن الصهيونية، بل لتحريم هذا النقد وتجريمه بوصمه بالعنصرية. وقد وصل الأمر إلى سخرية اتهام كل من يشير إلى الطبيعة العنصرية للدولة الصهيونية بأنه «لا سامى»، أى عنصرى هو نفسه! ذلك أن وصف دولة إسرائيل بالعنصرية هو أحد «الأمثلة» التى أوردها تعريف معاداة السامية الذى يروجه «التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست» فى نص ردىء للغاية، تمت صياغته قبل 15 عاما وتبناه التحالف المذكور قبل أربع سنوات، حين أطلق مساعى محمومة لجعل الحكومات والمؤسسات الثقافية الغربية تعتمده. وقد نجح التحالف فى جعل البرلمان الأوروبى يتبنى، يوم أول يونيو 2017، قرارا يدعو الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى ومؤسساته ووكالاته إلى اعتماد التعريف المذكور «بغية دعم السلطات القضائية وأجهزة فرض القانون فى مساعيها من أجل استكشاف الاعتداءات المعادية للسامية ومقاضاتها بفاعلية أكبر».
ثم تبنت التعريف الملغوم بضعة برلمانات منها الألمانى والفرنسى، لكنه اصطدم فى الكونجرس الأمريكى بالمناعة القوية التى يمنحها لحرية التعبير «التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة»، والحال أن العمل بالتعريف لتجريم نقد إسرائيل يتناقض تناقضا صارخا مع الحرية المذكورة. لكن ذلك لم يمنع مؤسسات حكومية أمريكية، لا سيما وزارة الخارجية، بل حتى الرئاسة فى عهد دونالد ترامب، من تبنى التعريف والعمل به. والحكومة البريطانية برئاسة المحافِظة تيريزا ماى، التى تميزت بالمغالاة فى دعمها الصهيونية إلى حد افتخارها بإصدار حكومة بلادها وعد بلفور المشؤوم، كان لها دورٌ رائدٌ فى دفع معظم الحكومات الأوروبية إلى تبنى التعريف. ولا تزال بريطانيا تتقدم الجميع فى المزايدة فى شأن التعريف الردىء، إذ يسعى الآن وزير التربية فى حكومة بوريس جونسون وراء فرضه على الجامعات، على رغم معارضة نقابة الأساتذة الجامعيين.
يرى الكاتب أن استخدام «معاداة السامية» ليس سلاحا جديدا لدَرء النقد عن الصهيونية، بل شكلت معاداة السامية حجة الحركة الصهيونية الرئيسية منذ تأسيسها، وقد لازم تنفيذ المشروع الصهيونى فى فلسطين استخدام هذه الحجة فى تبريره وتبرير ممارسات منفذيه، مذ وصل النازيون إلى الحكم فى ألمانيا، خصوصا بعد هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية. وقد رأت الحركة الصهيونية فى معادى السامية خير حلفائها، نظرا إلى تضافر مسعاهم لتقليص عدد اليهود فى بلدانهم، سواء أكان ذلك من خلال الحد من هجرة اليهود إليها أم من خلال دفع سكانها اليهود إلى الهجرة، مع مسعى الحركة الصهيونية لاجتذاب اليهود إلى فلسطين تحقيقا لمشروعها. لذا كان من المنطقى أن ترى الحركة الصهيونية فى وصول النازية إلى الحكم فرصة ذهبية، ومن المعروف أنها أبرمت مع حكومة أدولف هتلر بعد أشهر قليلة من استيلائه على السلطة اتفاقا قضى بإلزام اليهود الألمان بالذهاب إلى فلسطين لو أرادوا الاستفادة من أموالهم عند رحيلهم من ألمانيا الذى فرضه عليهم النازيون (بدأ هؤلاء ممارسة «التطهير العرقى» إزاء اليهود قبل أن ينتقلوا إلى إبادتهم أثناء الحرب العالمية الثانية).
أما بعد هزيمة النازية فى الحرب، فقد أخذ الصهاينة يصورون مشروع دولتهم فى فلسطين كأنه تعويضٌ عن تعرض اليهود الأوروبيين للإبادة، ويسعون وراء جلب اليهود الذين تم تخليصهم من معسكرات الاعتقال النازية إلى فلسطين، الأمر الذى تكثف بالطبع بعد تأسيس دولتهم عام 1948. ومنذ ذلك الحين والصهاينة يستخدمون «الهولوكوست» (المحرقة) أساسا لإضفاء الشرعية على دولتهم، بل ولمطالبة الحكومات الغربية بتوفير شتى أشكال الدعم لها، بدءا بحكومة ألمانيا الغربية التى قدمت المساهمة الأهم فى تمويل دولة إسرائيل وتسليحها فى الخمسينات والستينات من القرن المنصرم. وقد كانت عقدة ذنب الأوروبيين إزاء مسئوليتهم المباشرة أو غير المباشرة فى الإبادة النازية، من خلال المشاركة فى تنفيذها أو عدم السعى لمنع ارتكابها مثلما كان يتوجب، مصدرا أساسيا للتعاطف الذى حظيت به الدولة الصهيونية فى أوروبا فى عقديها الأولين.
***
يشير الكاتب أن هذه الحالة أخذت تتبدل إثر حرب عام 1967 وذلك لسببين، أولهما أن الجيل الأوروبى الجديد لم يشعر بالذنب مثل الجيل الذى عايش الحرب العالمية الثانية، وثانيهما أن صورة إسرائيل تحولت من أسطورة الدولة الصغيرة المهددة بالفناء فى إبادة جديدة يقترفها العرب (هكذا كانت الدعاية الصهيونية تصور الأمور، مع تشبيهها جمال عبدالناصر بهتلر) إلى صورة إسبرطة شرق أوسطية، تحوز على قوة عسكرية تفوق ما يتناسب مع حجمها بأضعاف. وقد تعززت هذه الصورة الأخيرة لما أدرك العالم فى تلك المرحلة بالذات أن الدولة الصهيونية قد تزودت بالسلاح النووى. هذا وقد أخذت صورة إسرائيل الأخلاقية تزداد سوءا باطراد منذ تلك الحقبة، وخصوصا بعد اجتياحها الأراضى اللبنانية عام 1982، وهو احتلال ما كان بوسعها تبريره بالدفاع عن النفس، لا سيما أنه ترافق بفظاعات شكلت مجزرة صبرا وشاتيلا ذروتها.
كانت الانتفاضة الفلسطينية التى بلغت أوجها عام 1988 المحطة اللاحقة فى تدهور صورة إسرائيل فى الرأى العام العالمى عموما والغربى خصوصا. وقد سرع انتقال الحكم الصهيونى تنفيذ «خطة آلون» التى رُسمت بعيد حرب 1967 والتى قضت بالتخلى عن إدارة المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية فى الأراضى التى احتُلت فى تلك الحرب، وفرض طوق عليها من خلال الاحتفاظ ببقية الأراضى المحتلة وتكثيف المستوطنات فيها. فكانت اتفاقات أوسلو عام 1993 التى تبعتها بضع سنوات من توهم التوصل إلى حل سلمى للنزاع الفلسطينيــالإسرائيلى. ومع حلول نهاية القرن ومعه نهاية «عملية السلام» وعودة العلاقات بين الدولة الصهيونية والشعب الفلسطينى إلى طبيعتها الاضطهادية السافرة، دخلنا القرن الحادى عشر، وقد تتالت محطات جديدة فى انحطاط صورة إسرائيل فى الرأى العام العالمى، متمثلة بالعدوان الجديد على لبنان عام 2006 والاعتداءات المتكررة على غزة.
***
هكذا بلغت إسرائيل عهد بنيامين نتانياهو، وهو لا يزال يترأس حكومتها منذ 12 سنة، معززا تطابق الحكم الإسرائيلى مع أقصى اليمين الذى تنزع إليه الصهيونية بطبيعتها، بصفتها أيديولوجية عرقية. ومع نتنياهو، بلغ استخدام «معاداة السامية» سلاحا لدَرء النقد عن دولته وحكومته وشرعنة عدائه العنصرى السافر للعرب ذروة قصوى، وقد وصل به الأمر يوما إلى إعفاء هتلر من مسئولية إبادة اليهود ليلقيها على أمين الحسينى، الأمر الذى أثار استنكارا واسعا بين يهود العالم. وقد صعدت حكومة نتانياهو ضغطها على الحكومات الغربية كى تحرم نقد دولته بتبنيها تعريف «التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست» سابق الذكر، الأمر الذى أوصلنا إلى الوضع الحالى الذى يسره انحطاط صورة الحركة الفلسطينية الواقعة بين مطرقة «السلطة الوطنية» الغارقة فى الفساد وسندان «حماس».
***
يستطرد الكاتب قائلا أن آخر طرائف الحملة الخبيثة على «معاداة السامية» هى نظر شركة «فايسبوك» فى احتمال رصدها استخدامات تعبير «الصهيونية» التى يتستر وراءها العداء العنصرى لليهود. فلو أفلحت الشركة فى إيجاد برنامج قادر على رصد مثل هذه الاستخدامات، سوف نتمنى عليها أن تجيره إلى رصد استخدامات تعبير «الإسلاموية» Islamism وسواه من التعابير التى يتستر وراءها العداء للمسلمين وهو فى عالمنا الراهن أكثر انتشارا وأكثر خطورة من العداء لليهود بما لا يُقاس! وقد صدق شاعر المارتينيك إيمى سيزير فى خطابه الشهير عن الاستعمار عندما قال إن ما لا يغفره الغربيون لهتلر «ليس الجريمة بذاتها، الجريمة ضد الإنسان، وليس إهانة الإنسان بوصفه إنسانا، بل هو الجريمة فى حق الرجل الأبيض، إهانة الرجل الأبيض، وكون هتلر طبق على أوروبا ممارسات استعمارية كانت حتى ذلك الوقت مخصصة حصريا لعرب الجزائر و«حمالى» coolies الهند و«عبيد» nègres أفريقيا».