كيف يرى الخبراء مستقبل المنطقة؟
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مروان المعشر يشارك فيه نتائج استطلاع تم حول مستقبل الشرق الأوسط يوضح تغير نظرة الخبراء تجاه مستقبل منطقة الشرق الأوسط... نعرض منه ما يلى:
نُشِر استطلاع هام حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط الأسبوع الماضى أجراه باحثان مرموقان فى الولايات المتحدة هما الدكتور شبلى تلحمى الاستاذ فى جامعة ميرلاند والدكتور مارك لينش الاستاذ فى جامعة جورج واشنطن. وقد أجاب على أسئلة الاستطلاع 521 خبيرا فى مجال الشرق الأوسط، يقطن 71% منهم داخل الولايات المتحدة، فيما يقيم الباقى خارجها. وأود أن أشارك القراء نتائج هذا الاستطلاع بما يتعلق بقضيتين هما الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى والثورات العربية التى سُميت بـ«الربيع العربى».
ربما كانت أهم نتائج الاستطلاع، رأى الخبراء فى حاضر ومستقبل الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى. فقد أفاد 52% من الخبراء أن حل الدولتين لم يعد ممكنا، بينما أفاد 42% أنه لا يزال ممكنا، ولكنه ليس محتملا فى غضون السنوات العشر القادمة. أما النتيجة الأكثر أهمية من وجهة نظرى، هى تلك الآتية من أناس يقطن معظمهم داخل الولايات المتحدة حول رأيهم عن واقع الحال السياسى داخل الأراضى العربية المحتلة. أفاد 59% من الخبراء أن واقع الحال اليوم هو دولة واحدة أشبه بنظام ابارتهايد، وأن 7% آخرين يعتقدون بأن واقع الحال اليوم هو دولة واحدة غير شبيههَ بنظام الأبارتهايد. إن أى متتبع للحساسيات السياسية داخل المؤسسات الأميركية يدرك مدى جرأة من يقطن داخل الولايات المتحدة بوصف النظام الإسرائيلى بما هو فعلا عليه ــ نظام شبيه بنظام الأبارتهايد العنصرى.
وفى إجابة عن سؤال ما هو السيناريو الأقرب فى حال عدم تحقيق حل الدولتين، أجاب 77% عن رأيهم أن النتيجة ستكون دولة واحدة عنصرية.
تعد هذه النتائج فى غاية الأهمية للنظام السياسى العربى، وهى تشير إلى أن الموقف المتشبث بحل الدولتين، على نجاعة هذا الحل، لم يعد يحظى بأغلبية داخل الأوساط الأكاديمية، التى غالبا ما تشكل المقدمة الفكرية لما يمكن أن تؤول إليه الأمور سياسيا. من ناحية واقعية عملية، ودون الانتقاص عما يتمناه الموقف العربى، يبدو أن التوجه إلى حصر التفكير سياسيا بحل الدولتين، خاصة فى ظل غياب أى جهد حقيقى لوضع هذا الحل موضع التنفيذ، يؤدى إلى إعطاء إسرائيل ضوءا أخضرا لابتلاع المزيد من الأرض مما يجعل من هذا الحل أمرا مستحيلا. مطلوب من النظام السياسى العربى اليوم أن يبدأ بالتفكير خارج الصندوق وذلك لمنع حدوث السيناريو الذى يراه أغلبية الخبراء المستطلعينــ ألا وهو حل الدولة الواحدة ذات نظام عنصرى. إن منع قيام ذلك لا يتأتى بمجرد الإصرار اللفظى على حل الدولتين، بل لا بد من أن يتزامن ذلك مع العمل على دعم صمود الفلسطينيين على أرضهم والمطالبة بحقوقهم، لا بالتشبث فقط بماهية شكل الدولة، وبخاصة إن كان هذا الشكل مفرغا من مضمونه. لم يعد خافيا أن دولة فلسطينية لا تتضمن القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين أو غور الأردن أو حق العودة أو إزالة المستوطنات أو السيادة الكاملة على الأرض، ليست حلا مقبولا للجيل الفلسطينى الجديد الذى ولد معظمه بعد اتفاق أوسلو.
أما الموضوع الآخر الذى تناوله الاستطلاع، هو مصير الثورات العربية، فجاءت نتائجه مهمة أيضا لصانع القرار العربى. فقد أفاد 46% من الخبراء المستطلعين أن هذه الثورات لم تتوقف وما زالت مستمرة بأشكال مختلفة، بينما أجاب 30% أنها توقفت مرحليا، وستعود خلال العشر سنوات القادمة. كما أفاد 7% فقط من المستطلعين أن هذه الثورات انتهت ومن غير المتوقع أن تعود مجددا.
وفى تقييم للعشر سنوات القادمة وتأثير هذه الثورات على السياسات العربية، أفاد 29% أن تأثيرها سيكون ذات بعد تحولى، بينما أفاد 54% أن تأثيرها سيكون هاما، ولكن ليس تحوليا. وأفاد 17% فقط أن هذه الثورات أدت إلى اختلالات مؤقتة ذات تأثير محدود.
لقد تبنى النظام السياسى العربى التقليدى مقولة أن الثورات العربية التى بدأت عام 2012 انتهت، حتى جاءت الموجة الثانية من هذه الثورات عام 2019 فى الجزائر والسودان والعراق ولبنان. وإن تمكنت أنظمة هذه الدول من الحد من تأثير هذه الموجة الثانية مرحليا، فإن المنطق يقول إننا سنشهد موجات ثالثة ورابعة وخامسة طالما أن الأسباب التى أدت إلى هذه الاحتجاجات لم تُعالج، وعلى رأسها الحاكمية الرشيدة وتحسين مستوى معيشة الناس.
فى كلتا الحالتين، من المستحسن أن يُدرك النظام السياسى العربى أن المنطقة تمر بتحولات عديدة، وأن هناك جيلا جديدا من الشباب له نظرة مختلفة عما كانت عليه الأمور سابقا. لقد تميز النظام السياسى العربى حتى الآن بعدم قدرته على التكيف مع التطورات التى حصلت فى المنطقة خلال العقود الماضية، وظهور جيل شبابى جديد يمثل الأغلبية فى العالم العربى، يُطالب بمقاربات وسياسات جديدة لدى صُناع القرار، بل يطالب بأن يكون جزءا هاما من عملية صنع القرار.
فى هذه الأثناء، لا تزال عملية صنع القرار فى المنطقة العربية تخضع لرتابة تصل فى بعض الأحيان إلى درجة الجمود، فى عالم أصبحت وتيرة التغيير فيه أسرع بكثير من درجة استجابة النظام السياسى العربى لهذه الوتيرة.
لن تكون النتائج محمودة إن تشبث النظام السياسى العربى بسياسات الأمس رغم تحديات اليوم. فالمطلوب اليوم التفكير خارج الصندوق ليس من قبيل البدعة، بل لأن الصندوق بحد ذاته لم يعد الوعاء المناسب لتحقيق تطلعات جيل جديد لن يبقى صامتا إلى ما لا نهاية، عن واقع الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى والوضع العام فى العالم العربى.