طاشت أساليب الصراع ولكن المسيرة تعبر العوائق
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
السبت 23 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم يطرأ جديد على المشهد السياسى فى الفترة الأخيرة، فمازال المعارضون خارج سياق آليات الصراع السياسى المتعارف عليها ويرفضون أى حوار مع السلطة، تقتصر أنشطتهم وجهودهم على هدم السلطة أو فرض إرادتهم عليها دون سند سياسى معروف، فلا يستطيع أى فصيل وحده ولا كل الفصائل مجتمعة أن تزعم أنها تمثل جماع الإرادة الشعبية، بل يرفضون آلية الانتخابات التى تكشف دون غيرها عن المتحدث باسم الأغلبية.
وبعد أن فشلت محاولتهم اقتحام مقر رئاسة الدولة ومحاصرتها، استمرت دعوتهم للحشد فى الميادين والجمع المتتالية بأسمائها المستفزة دون تحقيق أى مكاسب لهم ولكنها انعكست بآثار سلبية على المجتمع بأسره فغاب الأمن وحكم البلطجية واللصوص وضاعت هيبة القانون عندما يهاجمون المحاكم وأقسام الشرطة والمحافظين وسمعنا لأول مرة فى تاريخ مصر بل وربما العالم بأسره عن تمرد بعض أقسام الشرطة وإغلاقها.
ولم تكتف هذه العناصر المخربة بالخسائر الكبرى التى خلفتها الحرائق والسرقات والقتل وخطف البشر رجالا ونساء ولكنها غيرت تكتيكاتها فى الفترة الأخيرة بمهاجمة مقار حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين دون إدانة جادة وقوية من أساطين المعارضة وانتهى الأمر الى خطوة أخيرة وخطيرة وهى مهاجمة المقر الرئيسى لفصيل سياسى واستخدام أقذع الألفاظ وأحط الوسائل بل وكتبوا على جدرانها ما يصفون به أعضاء الجماعة بالخرفان وجرافيتى يخلو من أى إبداع ويتدنى للتحقير والإساءة.
ولا أحب أن افترض أن هذه الأنشطة الإجرامية والمتدنية تمت بتحريض أو تنظيم من زعماء المعارضة وأن المليارات التى تصرف عليها تدفع بواسطتهم ولكننى آخذ عليهم ــ وكلهم محل الاحترام والتقدير ــ أنهم لم يبذلوا الجهود الكافية لترشيد المظاهرات ومنع إساءة استخدام حق التظاهر ولم يصرحوا بقوة وعلانية باستنكارهم لهذا التدنى فى العمل السياسى. والأغرب من ذلك أن أهدافهم من مهاجمة المقر غير واضحة ولا سائغة.
وبلغ الأمر عند بعض القوى المعارضة أن توقع بين السلطة والجيش بل وتدعوا صراحة لانقلاب عسكرى على الشرعية ولكن تقاليد قواتنا المسلحة فوتت عليهم هذا الغرض.
•••
وهنا نأتى للإعلام بازدواجية معاييره وقلبه الحقائق الذى شهدناه جميعا بعد خسارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فقد أغمض عينيه تماماً عن بشاعة ما صدر من المحاصرين للمقر الرئيسى لفصيل سياسى كبير شريك فى العملية السياسية وتقبيح ما كتبوه على جدرانه وراح إعلامهم يبكى ويندب عمن تعرض منهم للمنع والزجر كرد فعل لتجاوزاتهم وركزوا على حادثة أو حادثتين مما يقع مئات من أمثالها فى أى احتكاك جماهيرى. وعلى رأسها وفاة شاب مأسوف عليه اثبت الطب الشرعى بالمستندات أن وفاته نتيجة دهسه بسيارة فإذا هم يتهمون الآخرين بقتله وتعذيبه، ولا ندرى الى أى مدى يسير الإعلام بعد أن فاز فريقه بنقابة الصحفيين وأملنا أن يضبط الأمور ويمنع الانحراف وازدواجية المعايير. وتضخم المرتبات المليونية التى تعتبر إهانة لمجتمعنا ولـ٤٠٪ منه من الفقراء وأن يجرى التمييز بدقة بين الإعلام والاعلان تطهيرا للوسط الصحفى.
وعلى الجانب الآخر تذهلك انعدام ردود الفعل الطبيعية للحكومة برفض وإدانة هذه التجاوزات وإخضاعها لحكم القانون، ويذهلك أكثر أن السلطة لم تكن راغبة فى الطعن فى الحكم الصادم حول وقف الانتخابات رغم ما أصابه من عوار وفساد فى الاستدلال وخروج عن السوابق. وقد تتعجب أكثر من تباطؤ مجلس الشورى فى ممارسة سلطته فى التشريع لمنع مثل هذه التجاوزات، فمازالت نصوص قانون الحد الأقصى للأجور رخوة عصية على المراقبة والتنفيذ، ومازال قانون حماية الشهود يترنح بين الأروقة واللجان بينما تزداد شراسة قوى الفساد فى معاقبة الشرفاء ممن يبلغون عن جرائمهم ولم نسمع بعد عن قانون الضرائب التصاعدية وغير ذلك من قوانين العدالة الاجتماعية ولم نلحظ أى اهتمام بحريق الرقابة الإدارية وما إذا كان صورة أخرى من فرم مستندات أمن الدولة.
وكرد فعل للحكم الصادم بوقف الانتخابات اقترحنا على البعض تعديل المادة ١١ من قانون مجلس الدولة والمادة ١٧ من قانون السلطة القضائية بإضافة فقرة لكل منهما تنص على التزام المحاكم بالأحكام النهائية الباتة من المحكمة الدستورية العليا والإدارية العليا ومحكمة النقض والتى تحدد ما يعتبر من أعمال السيادة وتقصر سلطة الإحالة للدستورية العليا فى ما يخص دستورية القوانين على المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض.
•••
غير انه رغم ذلك كله تشق مسيرة الشرعية والمشروعية طريقها نحو استكمال مؤسساتنا الدستورية وترسيخ قواعد وآليات الصراع السياسى وأخيرا بدأ الرئيس يتواصل مباشرة مع شعبه ويخرج عن قولبة بيروقراطية الرئاسة القوية والعريقة، حتى تعبر مصر الى مصاف الديموقراطيات الراسخة وتبدأ فى التنمية والازدهار ولكن السلطة يجب أن تكون واعية وجاهزة لأى محاولات تنال من شرعيتها وعليها أن تسارع الخطى فى تخطى الحفر والفخوخ التى تعد لإسقاطها.
وقد يساعد على ذلك التخفيف من أعباء وزارة الداخلية بعد الإقدام على التمرد وإغلاق الأقسام بإنشاء وزارة أو هيئة مستقلة للأمن الوطنى والأمن المركزى تتبعها قوات الأمن المركزى بعد تطويرها ويكون لها نظامها الخاص وعقيدتها الأمنية المستقلة لتقوم بمهامها فى التصدى لأعمال الشغب والبلطجة وتعطيل الانتاج وقطع الطرق بوسائل حديثة نقتبسها من الدول الراسخة فى الديموقراطية.
محام ومحكم دولى