دراما ناصر ٢٠١٢
وائل قنديل
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
السيناريو الذى توقعه كثيرون وحذروا منه يتحقق الآن، تسخين على حدود مصر الشرقية، وتسخين فى الداخل، ليرفع الستار عن «أبطال قوميين» يواجهون الخطر الإسرائيلى على الجبهة الشرقية، ويدافعون عن السيادة ضد المنظمات الأهلية الأمريكية فى الجبهة الداخلية.
لقد عادت حدوتة السيادة والكرامة مجددا، بقنبلة إعلامية عن إلغاء اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل، ثم حديث متزامن عن رفض الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية للسماح لثمانى منظمات أهلية أمريكية بالعمل فى مصر لأنها تهدد السيادة الوطنية.
هو تقريبا السيناريو ذاته الذى عشناه قبل شهرين حين انفجرت حكاية منظمات المجتمع المدنى وما تلاها من اندلاع حرب فايزة والجنزورى ضد الكاوبوى الأمريكى، ثم إعلان الجهاد عن طريق الشيخ حسان ضد المعونة الأمريكية وانطلاق حملة سينمائية للتبرع دفاعا عن كرامة الوطن الوطنطن، شارك فيها محترفو صياح وتجار هتاف من ذوى الحناجر الصالحة للاستعمال فى كل عصر.
إنها وصفة «ناصر ٥٦» يعاد إنتاجها مرة أخرى فى ٢٠١٢ مع فارق أساسى، وهو أن مساحة الصدق فى معركة العدوان الثلاثى كانت أكبر، وكمية الافتعال والفبركة تكاد لا تذكر، غير أن الذى جرى بعدها كان صعود نجم عبدالناصر كبطل قومى حقيقى، مقابل هبوط منسوب الديمقراطية إلى أدنى مستوياته، تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ليتم بعدها تكريس حكم العسكر من وقتها وحتى يومنا هذا.
وتحت عنوان مواجهة إسرائيل المزعومة تأجلت الديمقراطية السياسية، والأحرى أنها دخلت غياهب النسيان، فيما تم الترويج لنوع من الديمقراطية الاجتماعية، مجانية تعليم وعدالة اجتماعية وتأميم وتوزيع أراض وخلافه، على حساب الحريات والتطور الديمقراطى السياسى، لتعيش مصر منذ ذلك التاريخ تحت حكم الفرد والصوت الواحد والحزب الأوحد.
ويبدو أن الأرشيف ينهض ويوشك أن ينفجر فى وجوهنا الآن، رغم الفروق الجوهرية بين لحظة يوليو ١٩٥٢ ولحظة يناير ٢٠١١، ففى الأولى ثارت مصر على احتلال الخارج، بينما كانت الثورة فى الثانية ضد احتلال الداخل، وفى يوليو قلب الضباط نظام الحكم الملكى ثم احتموا فى الشعب، بينما فى يناير أسقط الشعب رأس النظام بثورة بيضاء ففرض الضباط شراكتهم فيها ثم عملوا على مصادرتها من أصحابها الحقيقيين.
والآن جاءت الأسئلة الصعبة: فمن يجرؤ بعد الآن أن يهتف «يسقط حكم العسكر» فى لحظة يتم فيها النفخ فى الأخطار الخارجية التى تهدد تراب الوطن، بعد القرار الدراماتيكى بوقف تصدير الغاز للعدو الصهيونى؟
ومن يفتح فمه لو قرر السادة الذين يحموننا من طمع الأوغاد على الحدود الشرقية أن يؤجلوا استحقاقات العملية السياسية، الانتخابات الرئاسية والدستور، بحجة أن الوطن يواجه معركة مصير وسيادة وكرامة؟
إنه من العبث ألا نقرأ حدوتة الغاز ودراما المنظمات الأمريكية بمعزل عن التلويح بإحياء دستور ٧١ وإصدار إعلان دستورى مكمل يحدد صلاحيات رئيس مصر، ثم الحديث السابق عن احتمالات تأجيل انتخابات الرئاسة لحين الانتهاء من الدستور.. ولكل ذلك أزعم أننا دخلنا حزام أيام الخطر، فماذا يخبئ لنا القدر؟