الأساطير العائدة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
السبت 23 أبريل 2016 - 9:41 م
بتوقيت القاهرة
اليوم، يتحلق كثيرون ممن ساندوا الخروج على الإجراءات الديمقراطية فى ٣ يوليو ٢٠١٣ وقدموا ككتاب وإعلاميين وشخصيات عامة ومشاركين فى الحياة الحزبية الوجه «المدنى» لسيطرة المكون العسكرى ــ الأمنى على الحكم يتحلقون حول الحراك الشعبى الرافض لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.
اليوم، يتحلق كثيرون ممن صنعوا اللحظة الفاشية فى صيف ٢٠١٣ بإنكار الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان وحريات المواطن، وبتأييد ما سمى «بالتفويض الشعبى لمواجهة الإرهاب»، وبتبرير تمرير قوانين قمعية كقانون التظاهر وتهجير المواطن من الفضاء العام وإسكات كل صوت معارض؛ يتحلقون حول الحراك الشعبى ويوظفون تأجيج المشاعر الوطنية للابتعاد عن سلطوية حاكمة كانوا هم من بين أذرعها وأدواتها.
اليوم، يتحلق كثيرون ممن صاغوا الأساطير والأوهام الكبرى عن رمز الإنقاذ الوطنى ومرشح الضرورة للرئاسة ثم رئيس الضرورة، عن الناصرية المعدلة القادرة على تحقيق التحديث والتنمية والعدالة الاجتماعية بمشاريعها القومية وبشعبية بطلها المخلص الخارج من عباءة «ثورتين»، عن الأولويات الوطنية التى يتجاهلها كل من يحذر من طغيان السلطوية فى البلاد ومن جمهورية الخوف التى تؤسسها ومن آلتها القمعية التى تعتاش على انتهاكات مستمرة للحقوق والحريات؛ يتحلقون حول الحراك الشعبى طلبا لرمز إنقاذ وطنى بديل ولبطل مخلص جديد ويواصلون بأساطيرهم وأوهامهم تفريغ الفضاء العام من كل فكرة ديمقراطية حقيقية.
اليوم، يتحلق كثيرون ممن أسهموا عبر مناصبهم التنفيذية أو عضويتهم فى اللجان الاستشارية أو مقاعدهم البرلمانية فى تمكين السلطوية الحاكمة من ادعاء احتكارها للحق الحصرى للحديث باسم الوطنية المصرية ومن إماتة السياسة وتسفيه ممارسيها ما لم يتحولوا إلى «ظهير» للحكم ونصير لجمهورية الخوف وآلتها القمعية؛ يتحلقون حول الحراك الشعبى بحثا عن «موضع» فى معادلات قوة يظنونها تتغير وعن «مكان» فى خرائط يخالون تفاصيلها متحركة.
اليوم، يتحلق كثيرون ممن صمتوا على نزع كل قيمة أخلاقية وإنسانية عن معارضى السلطوية الحاكمة، وآخرون ممن جاءوا إلى خانات المعارضة بعد أن أودى تجاهلهم الممنهج لانتهاكات الحقوق والحريات بمصداقيتهم وأرادوا استعادتها أو بعد أن تنوعت الأصوات الناقدة والمعارضة وتراجع من ثم خطر التعرض للقمع، ونفر ثالث ممن تورط بداية فى مكارثية الرأى الواحد تماهيا مع رمز الإنقاذ الوطنى وألصق زيفا ومن خلال مقولات ذكورية مقيتة صفات الضعف والعجز والجبن بمعارضيه ثم استفاق مبتعدا عن المشاهد الرديئة للسلطوية الحاكمة؛ يتحلقون حول الحراك الشعبى أملا فى استعادة كامل المصداقية أو فى التبرؤ من مكارثية البدايات.
غير أن هؤلاء جميعا، من كتاب وإعلاميين إلى شخصيات عامة ومشاركين فى الحياة الحزبية، لا قبل لهم بإضفاء شىء من الموضوعية والعقلانية على المشاعر الوطنية المرتبطة باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، لا قبل لهم بالابتعاد عن العزف على أوتار الاتمهمات ببيع الأرض وتوجيه سمهم النقد إلى السلطوية الحاكمة التى تدير الشأن العام (ومسألة «الجزيرتين» بداخله) بانفرادية وسرية، لا قبل لهم بالتفاعل الرشيد مع «الجماهير» ودفعهم باتجاه المطالب الديمقراطية الحقيقية من سيادة القانون واحترام حقوق المواطن وحرياته إلى الانعتاق من السلطوية والعدالة الانتقالية.
هؤلاء يتحلقون حول الحراك الشعبى طلبا للمخلص الجديد أو بحثا عن موضع نفوذ جديد أو أملا فى استعادة مصداقية ضائعة أو تبرؤ من مكارثية وذكورية التماهى السابق مع السلطوية. هؤلاء لا تعنيهم الديمقراطية كثيرا، ولا يعنيهم من سلبت وتسلب حريتهم دفاعا عن حق المواطن فى الاختيار الحر وحق الوطن فى العدل والحرية، وسيتوقفون عن حديث المعارضة ما أن تغير السلطوية من بعض سياساتها (التراجع عن اتفاقية ترسيم الحدود) أو ما أن يلوح فى الأفق خيال المخلص الجديد. وعندها ستذهب الديمقراطية مجددا إلى الجحيم.