الإصلاح السياسى.. متى وكيف؟
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 23 أبريل 2018 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
المفترض أن تصاحب عمليات «الإصلاح الاقتصادى» التى تجرى على قدم وساق فى مصر، عمليات إصلاح سياسى تستهدف العديد من الإجراءات على رأسها تنشيط الحياة الحزبية ومنظمات المجتمع المدنى، وتفعيل مواد الدستور المتعلقة بالحريات العامة، واحترام مبادئ الفصل بين السلطات، وتداول السلطة، وضمان المشاركة الشعبية فى صنع القرارت السياسية.
ومع ذلك، فقد تأخرت هذه الإصلاحات السياسية كثيرا والتى يرى البعض أنها لن تأتى أبدا، ربما بسبب زيادة العمليات الإرهابية التى أعقبت سقوط نظام الإخوان المسلمين، وانتشار الوقفات الاحتجاجية التى كانت ترفع مطالب فئوية فى أعقاب ثورة يناير، والمخاوف من استغلال أعداء النظام للمعاناة المعيشية التى يكابدها غالبية المصريين جراء هذه الإصلاحات الاقتصادية لإثارة توترات جماهيرية فى الشارع.
لكن المغالاة فى ضبط حركة الشارع السياسى، ومحاولة السيطرة الأمنية لا السياسية عليه، قاربت حدود تأميم العملية السياسية برمتها فى مصر، لم نعد نسمع حسا ولا خبرا من الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة، القديمة أو الجديدة، كلها استكانت فى مقارها تعانى من الشلل والجمود، وحتى الحركات الثورية والراديكالية أصبح الفيس بوك وغيره من صفحات التواصل الاجتماعى هو ميدانها الوحيد لممارسة العمل السياسى أو الاحتجاجى!
أخيرا فقط بدأت بعض التسريبات من كواليس صنع القرار تتحدث عن ضرورة إنشاء حزب سياسى للأغلبية المؤيدة للرئيس، ثم تطور الأمر لضرورة تكوين ثلاثة أو أربعة أحزاب كبرى تدير العملية السياسية فى مصر، واندماج الأحزاب المتشابهة فى البرامج والتوجهات بحيث نمتلك فى النهاية حياة حزبية منظمة وفعالة، خاصة أن عدد الأحزاب المشهرة الآن تجاوز المائة حزب معظمها لا يعرف أحد عنها شيئا.
قد يكون هذا مؤشرا لحدوث اختراق مهم للأوضاع السياسية الراكدة فى مصر، لكن السؤال حول مدى تأثير هذه التوجهات وقدرتها على استعادة الحياة السياسية لحيويتها المطلوبة يثير العديد من علامات الاستفهام، منها ما يتعلق بالتدخلات الحكومية أو الأمنية فى دمج بعض الأحزاب، وقدرتها على حل المشكلات التنظيمية أو صراعات قياداتها على المناصب التى قد تصاحب هذا الدمج، ومنها ما يتعلق بهامش الحركة المسموح لهذه الأحزاب، ومنها أيضا ما يتعلق بأدائها داخل البرلمان أو المحليات المقرر ان تجرى انتخاباتها العام المقبل، ونقدها للسياسات الحكومية أو حتى إمكانية تشكيل هذه الأحزاب حكومة ائتلافية.
ما يثير المخاوف هو فشل هذا الدمج الذى يمكن أن يتم تحت قبضة سلطوية خشنة، قد يعيدنا للمربع الأول، أو يشعل فتيل الانشقاقات بين هذه الأحزاب المندمجة، بما يصيب الحياة الحزبية برمتها بالجمود من جديد الذى يهدد بفتح أبواب من الفوضى قد تستعصى عن الحل السياسى، ولا تضع أمام السلطات أى اختيارات سوى الحل الأمنى لمواجهتها.
ربما يكون الحل الوحيد المتاح الآن لحل أزمات الإصلاح السياسى طبقا لموازين القوى بين أطراف المشهد الراهن، هو ترتيب مؤتمر قومى تشارك فيه كل الأحزاب والقوى والفعاليات الثقافية والقانونية والشخصيات العامة لوضع خارطة طريق تصل بنا إلى الحد الأدنى من التراضى الوطنى حول الحقوق والحريات السياسية التى تتماشى مع الدستور، باعتباره المرجعية الفكرية والسياسية التى ينطلق منها الجميع لتحديد مسارات هذا الإصلاح وخطواته المتتابعة، بدون اللعب فيه أو إجراء أى تعديلات عليه.