محاولة لتفسير الخلافات العربية- الأمريكية

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأحد 23 أبريل 2023 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب ماجد كيالى، تناول فيه أن ما تمر به العلاقات العربية الأمريكية ليس تمردا بل توترا، فالعلاقات الدولية تشهد محطات توتر من حين لآخر مثلما يحدث أحيانا مع العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. كل ما هنالك أن بعض الدول العربية تحاول درء الضغوط الأمريكية عنها بالعلاقات مع روسيا والصين مستغلة التباينات فى الداخل الأمريكى... نعرض من المقال ما يلى:

يميل بعض المحلّلين السياسيين المؤدلجين، من خلفيات قومية ويسارية وإسلامية، إلى الاستسهال والتسرّع والمبالغة، لإضفاء رغباتهم أو قناعاتهم على الأحداث أو التطورات السياسية، أى تحوير التاريخ ليتناسب مع أهوائهم وسردياتهم.

وربما من أهم المسائل المطروحة للنقاش اليوم تلك المتعلقة بتفسير قيام بعض الأنظمة العربية، بالتملّص من السياسات التى تطلبها الولايات المتحدة، بل والتمرّد عليها، علما أنها معروفة تاريخيا كتابعة لها، أو مرتبطة بسياساتها.

بيد أن ذلك الاستنتاج يغفل واقعا مفاده أن العلاقات بين الدول لا تسير وفق ثنائية التابع والمتبوع، بشكل مطلق، أو ميكانيكى، ولعل أكبر مثال على ذلك هو علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة. فهذه العلاقة الوطيدة، وغير المسبوقة، ومع ذلك فقد شهدت محطات من التوتر بين الطرفين، ليس فى عهد الرؤساء الديمقراطيين، وحسب، إنما شمل ذلك عهد الرؤساء الجمهوريين، أيضا. ففى عهد الرئيس بوش (الأب) تمردت إسرائيل (فى ظل حكومة اسحق شامير الليكودية)، على مسعى الولايات المتحدة عقد «مؤتمر مدريد للسلام» (1991)، فاضطرت تلك الإدارة إلى الضغط عليها وجرها إلى المؤتمر، لكن مع ذلك ظلت إسرائيل تتمنع من السير فى عملية التسوية، وضمنها اتفاق أوسلو (رغم الإجحاف بحق الفلسطينيين).

وفى السياق ذاته، فإن المملكة العربية السعودية استخدمت سلاح النفط إبان حرب أكتوبر (1973)، على خلاف مصلحة الدول الغربية، ما أدى إلى تضاعف أسعاره، بالقياس لما قبل.
• • •

فى تفسير التوتر الحالى، فى العلاقات العربية – الأمريكية، يمكن تعيين الافتراق الأول بطرح الرئيس بوش (الابن) مشروع «نشر الديمقراطية»، و«الشرق الأوسط الكبير«» (2002 – 2003)، المحمول، هذه المرة، بإرادة التدخل الخارجى العسكرى، فى بعض البلدان، لفرض الديمقراطية، باعتبار ذلك جزءا من «استراتيجية الأمن القومى الأمريكى»، على خلفية الهجوم الإرهابى فى نيويورك وواشنطن (2001)، وهو ما تم ترجمته فى غزو الولايات المتحدة لأفغانستان (2002)، والعراق (2003).

هكذا، فإن طرح ذلك المشروع عبر عن نهج أمريكى جديد، يقوم على إحداث تغييرات فى بنية الأنظمة العربية، فى حين كان أحد أهم بنود الاستراتيجية الأمريكية السابقة فى الشرق الأوسط يتمثل فى الدفاع عن الأنظمة الصديقة (مع الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها، وحماية منابع وممرات النفط، وعدم تمكين أى دولة أخرى من السيطرة على الشرق الأوسط). والمعنى أن ذلك التحول بات فى صلب السياسة الأمريكية الجديدة فى الشرق الأوسط، بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض، وإن كان جمهوريا أم ديمقراطيا، فالفلسفة الأمريكية من وراء ذلك هى إحالة أسباب الفقر والتخلف والإحباط والغضب فى العالم العربى ليس إلى إسرائيل، أو إلى الصراع العربى ــ الإسرائيلى، وإنما إلى من طبيعة الأنظمة العربية، الاستبدادية والفاسدة.

فى المحصلة فإن ذلك الانقلاب الأمريكى رن جرس الإنذار لدى الأنظمة «الصديقة» للولايات المتحدة، إذ حاولت، فى البداية، التكيف معه عبر فكرة ترشيد أو إصلاح النظم السياسية (صدرت وقتها تقارير التنمية الإنسانية العربية)، مع تهربها عمليا من ذلك الاستحقاق، مع تركيزها على دعوة الغرب إلى احترام خصائص المجتمعات العربية، ومراعاة عدم فرض نموذج غربى عليها. وفى السياق أيضا، أتى حبل النجاة من إسرائيل، التى قوضت اتفاق أوسلو، وقوضت بعده مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، والمفاوضات متعددة الطرف، ومؤتمرات التنمية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما ساهم بتغيير المعادلات.
• • •

الافتراق الثانى تمثل ببروز تحد آخر أمام الأنظمة العربية، لا سيما فى المشرق العربى، واليمن، فازداد نفوذ إيران التى باتت تهيمن فعليا على بلدان عربية عدة (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، بحيث شكلت تهديدا حقيقيا للأنظمة السياسية العربية، وكعامل تقويض للاستقرار فى المنطقة العربية، إن بتفكيكها المجتمعات العربية، على أسس طائفية مذهبية، أو بامتلاكها أذرعا ميليشياوية مسلحة، كما بمحاولاتها الاستحواذ على قوة نووية.

المشكلة أن سياسة الولايات المتحدة إزاء إيران كانت تنطوى على تلاعب، ومراوغة، فهى فضلت الاستثمار فى السياسة الإيرانية فى المنطقة، بدل كبحها، من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل، من خلال تمكين إيران من تصديع بنى الدولة والمجتمع فى دول المشرق العربى من العراق إلى سوريا وصولا إلى لبنان، ولابتزاز بعض الأنظمة العربية، التى فهمت من هذه السياسة تخليا أمريكيا عنها، وتركها تحت التهديد الإيرانى، لا سيما أن الأمر ترافق مع فرض الولايات المتحدة عقبات، ومعايير، على بعض صفقات التسلح العربية.

فى الغضون، فإن اندلاع ثورات الربيع العربى، أدى إلى تضافر تخوّف الأنظمة العربية من التدخلات الأمريكية فى بلدانها، بحجة حقوق الإنسان، ولفرض الديمقراطية، مع التهديدات التى يمثلها تزايد النفوذ الإيرانى فى المنطقة، واحتمال حيازتها قوة نووية، لا سيما مع الاتفاق الأمريكى ــ الإيرانى (عهد باراك أوباما)، فاستنفرت الأنظمة العربية، من التخلى الأمريكى والتهديد الإيرانى.
• • •

أما الافتراق الثالث فتجلى بشكل أكبر بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، مع أنه سبقه، وهو يتعلق بسعى الغرب للتحرر من الطاقة الأحفورية، والتوجه نحو الطاقة الخضراء، أو النظيفة، إذ بدت الدول الغربية، وهى الأكثر استهلاكا للغاز والنفط، وكأنها تريد حرمان بعض الأنظمة العربية النفطية من كنزها، أو ثروتها الاستراتيجية، التى تبنى عليها مكانتها، ونفوذها.

والخلاصة، أنه لا يوجد ما يفضى إلى نزعة استقلالية، أو تمردية، لدى الأنظمة العربية المعنية، خصوصا أنها ترتبط بألف خيط وخيط بالولايات المتحدة (سياسيا وأمنيا واقتصاديا وماليا)، وهى تعرف تماما الهوامش المتاحة لها، والتى تتحرك فيها فى إطار السياسة الأمريكية، وكل ما هنالك أنها تعمل على استثمار التباينات فى الداخل الأمريكى، والوضع الحرج لإدارة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن، فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، كما تحاول درء الضغوط الأمريكية عنها، بالتداعيات الناجمة عن الغزو الروسى لأوكرانيا، والعلاقات الواعدة مع الصين، علما أن روسيا والصين، لا تملكان ما تقدمانه لتلك الأنظمة، سوى اختلافهما عن الغرب بأنهما لا تطرحان أسئلة بخصوص طبيعة الأنظمة أو سياساتها إزاء شعوبها.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved