بناتك يا مصر
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الأحد 23 مايو 2010 - 2:51 م
بتوقيت القاهرة
بينما كنت اتنقل بين بعض المدونات التى أتتبعها بانتظام لفت انتباهى خبرا منقولا عن إحدى المدونات الأفريقية يتحدث صاحبها عن أخبار الزيجة الخامسة لعضو فى برلمان بلده وحاكم سابق لإحدى ولاياته، العريس يبلغ من العمر 50 عاما والعروس فتاة فى الثالثة عشرة من العمر، ومن أجل إتمام الزواج اضطر العريس لتطليق إحدى زوجاته الأربع حتى تحل العروس المراهقة محلها، إلى هنا والخبر لا يعنينا من قريب ولا بعيد، اللهم إلا إذا اهتممت عزيزى القارئ بمعرفة جنسية العروس الصغيرة التى ربما تكون الآن قد خمنتها بالفعل، فالعروس المراهقة ذات الـ13 ربيعا التى زوجها أهلها وقبضوا فيها 100 ألف دولار هى فتاة مصرية.. سافر أهلها معها إلى الدولة الأفريقية حتى لا يصطدموا هنا بالقوانين التى تحدد سن العروس بـ16 سنة..
سلموها للعريس وقبضوا ورجعوا والعاقبة عندكم فى المسرات، الآن دعنى أسألك عن رأيك فى هذا الخبر، قد تكون من الأشخاص السوداويين اللى مش هيشوفوا فى الخبر ده إلا صفقة أو فضيحة وربما تمادوا ليصفوها بالجريمة، ممكن تتساءل عن دور الخارجية المصرية فى هذه «البيعة»، هل كان السفير المصرى المبعوث إلى هذه الدولة الأفريقية مدعوا للفرح مثلا؟ تفتكر يكون حضر؟ تفتكر بعت ورد؟ وإلا تفتكر يكون راح شهد على العقد؟ ما هو واجب برضه.
هل تتساءل أيضا عن البرلمان الذى ينتمى إليه العريس وكيف مرت مثل هذه الحادثة عليه مرور الكرام، والطرف الرئيسى فيها عضو نيابى فى برلمان بالتأكيد مر عليه من قبل وثيقة حماية الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة أو على الأقل سمع عن تشريعات قانونية تطلق لفظ الجريمة على ما خططه العضو المحترم ونفذه، المصيبة بأه هى أنك قد تتمادى أكثر يا عزيزى السودوى الذى لا يرى سوى نصف الكوب الفارغ وتتهم أسرة الفتاة بأنهم قد باعوا ابنتهم وقبضوا الثمن وأن ما فعلوه ما هو إلا شكل من أشكال الإتجار بالبشر، لكن الأمور ليست بهذا السوء بالتأكيد.
يمكنك مثلا أن تنظر لهذه الحادثة على أنها شكل من أشكال غزو أسواق جديدة لم تطأها أقدام المصريين من قبل، كل الناس اللى بيبيعوا بناتهم للأجانب غالبا بتكون أنظارهم موجهة ناحية الخليج، فالعشرات من القرى المصرية يعتمد اقتصادها على سلعة واحدة رائجة وهى بناتها، إلا أنه فى ظل المنافسة الشديدة من بنات دول أخرى مثل سوريا وتركيا وروسيا يجب أن نقدر لهذا الأب المجتهد مجهوده العظيم فى فتح سوق جديدة فى منطقة لم يفكر فيها أحد من قبل، يجب أيضا أن نشهد له بالذكاء والفهلوة، فبينما لا يزيد «ثمن» عرائس الخليج على 100 ألف جنيه لا ينوب الأب منها إلا 10 آلاف جنيه والباقى يأخذه السمسار الذى يتوسط فى البيعة فقد استطاع هذا الأب الحكيم أن يقبض 100 ألف دولار كاملة وشوف الدولار دلوقتى بكام يا صاحبى.
وهو ما قد يرفع التسعيرة العامة للبيع للصنف كله والسوق محتاج، خد عندك شوية المعلومات دى، عدد الزيجات اللى بتحصل بين فتيات قاصرات ــ بمباركة أهلهم ــ وأثرياء أجانب عن طريق سمسار تقدرها الدراسات بـ300 حالة فى اليوم تصل فى موسم السياحة إلى 500، اختيار العروس يتم بطريقة طابور العرض أو عن طريق ألبومات تجمع صور الفتيات ويحرص الأهل أحيانا على أن تكون صور «مشجعة» للعريس بشكل ما، تسعيرة زواج الفتاة البكر تتراوح بين 25 و100 ألف جنيه، أصبح مصطلح «زواج سياحى» مصطلحا مقبولا فى بعض القرى المصرية والاتفاق أصبح يحدد ميعاد انتهائه بدقه.. بالشهر واليوم وأحيانا بالساعة على حسب ميعاد الطائرة المغادرة إلى بلد العريس، ثلاثة مراكز فى محافظة 6 أكتوبر نسبة هذا النوع من الزواج السياحى فيها يقدر بنحو 74% من إجمالى عدد الزيجات..
والبعض يلتمس لأهالى البنات المبيعات عذر الفقر أو الحاجة أو الرغبة المشروعة فى حياة أفضل ففى ظل تدهور الزراعة والصناعة لم يعد أمام البعض إلا التجارة.. الزبائن من الخليج وحاليا أيضا من أفريقيا.. والسلعة الوحيدة المطلوبة والرائجة هى بناتك يا مصر.