الكل يحتاج إلى الكل
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 23 مايو 2020 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
منذ الإعلان عن ظهور فيروس «كورونا» وانتشاره، انتهجت مصر سياسة متوازنة تجمع بين اتخاذ الإجراءات الاحترازية على المستوى الداخلى وتقديم يد المساعدة للدول الصديقة التى تجمعها بها علاقات أخوة وشراكة سياسية وجيرة، كما تلقت مصر بدورها يد المساعدة من الدول الصديقة.
فقد ضربت مصر مثلا كبيرا فى معنى التضامن الإنسانى ليس فقط على مستوى الفرد ولكن أيضا على مستوى الدول، فجائحة «كورونا» أسقطت المسميات التى تعودنا عليها مثل ــ الدول الكبرى ــ الدول العظمى ــ الدول المتقدمة ــ الخمس الكبار ــ العشرون الكبار ــ القطب الأوحد.. إلى آخره؛ إذ استوى الجميع أمام «كورونا» ولم يعد هناك «كبير» يفهم ويعرف وينتج كل شيء، بل الكل يحتاج إلى الكل ويتضامن مع الكل، كما سقطت كثير من مفاهيم «الثروة» وقوة السلاح، ففيروس لا تراه العين المجردة هزم القنابل الذرية والنووية والصواريخ عابرة القارات، وستشهد العشر سنوات القادمة آثار تغير المفاهيم، وستكون الدول الأكثر تقدما هى الدول الأكثر علما وبحثا فى العلم لإنقاذ البشرية من الأوبئة القادمة.
الأمر المؤكد أن هذه المساعدات سوف تؤتى ثمارها على المدى الطويل فى اعطاء صورة لمصر الحضارة وستترجم على هيئة استثمارات جديدة سوف تتدفق لتضُخ فى الاقتصاد المصرى، إضافة إلى شراكة فى الأبحاث العلمية وإنتاج الأمصال والأدوية، بما سينعكس على استقراره ويحقق الرخاء للمواطن المصرى.
كما أرسلت مصر فى إطار الدبلوماسية المساعدات الطبية تلك، مساعدات كبيرة إلى فرنسا وإيطاليا والسودان الشقيق والولايات المتحدة الأمريكية، كتب عليها عبارة «من الشعب المصرى إلى الشعب الأمريكى»، ما أعطى الشعب المصرى الشعور بالفخر والعزة.
وفى هذا الإطار جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى تأكيدا لدور مصر الرائد تجاه الأشقاء الافارقة وترسيخا لعلاقات التعاون والروابط التاريخية التى تجمع مصر بدول القارة الإفريقية، بتقديم المعاونة للأشقاء بجمهورية جنوب السودان وبتجهيز طائرة عسكرية لنقل المساعدات الطبية والتى تشمل كميات كبيرة من الأدوية والمطهرات والبدل الواقية للأطقم الطبية، علاوة على كميات كبيرة من ألبان الأطفال لمساعدتها فى التغلب على فيروس «كورونا» فى ظل الأزمات المتتالية التى تتعرض لها. ولم تكن المساعدات المقدمة إلى جنوب السودان الأولى من نوعها، فقد سبق أن كانت مصر من أوائل الدول التى وجهت مساعدات إلى الصين فى ذروة تفشى «الوباء» بها فى إطار الدبلوماسية المصرية؛ حيث تم تكليف وزيرة الصحة بزيارة الصين لتقديم المعونة لها، وإضاءة المعالم الأثرية المهمة بألوان العلم الصينى تعبيرا عن التضامن والتكاتف المصرى الصينى لمواجهة تداعيات الفيروس، وقد عبر السفير الصينى بالقاهرة لياو ليتشيانج عن ذلك بقوله إن الصين ومصر تشتركان دائما فى السراء والضراء على مر التاريخ، ودائما العلاقات المصرية ــ الصينية تكون صامدة أمام أى محنة أو صعوبات.
يبدو أن جائحة كورونا ستظل معنا فترة قد تكون قصيرة أو طويلة فقد تضاربت الآراء والدرس الأول المستفاد أن أى دولة مهما كبرت وعظمت تحتاج إلى الدول الأخرى فى المجتمع الدولى، مهما صغرت فالكل يحتاج إلى الكل، ومصر ضربت المثل بنفسها.